تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » أميرة السُّكَّر .

أميرة السُّكَّر . 2024.

أميرة السُّكَّر

جاء بائع الألعاب إلى دكانه بدمية جديدة، اسمها: ((أميرة السكَّر))، وضعها على رفٍّ جميل في صدر الدكان.
على الرف المقابل اصطفَّتْ دمى كثيرة للنمر، والدب، والببغاء، وغيرها.
نظرتْ هذه الدمى إلى أميرة السكّر، فشعرتْ بالغيظ. قال النمر:
-أكاد أُجَنُّ.. لماذا يضعها البائع على رف وحدها؟! هل هي أحسن منا؟!
قال الدب ساخراً:
-طبعاً أحسن.. فهي دمية جديدة تلبس ثوباً أبيض، ونحن دمى قديمة، وألواننا باهتة.
ردد الببغاء الجزءَ الأخير من كلام الدب:
-نحن دمى قديمة، وألواننا باهتة.
ازداد غيظ النمر، فلكز الببغاءَ قائلاً:
-اخرسْ.
أثناء النهار تضاعفَ غضبُ الدمى من الأميرة، فالأطفال الذين دخلوا إلى الدكان مع أمهاتهم كانت عيونهم تتعلق بها، ولا تنظر إليهن!
كانت الأميرة لا تكفُّ عن الابتسام، وكلَّ خمس دقائق تمدُّ يدها اليمنى إلى الأمام، وترمي سُكَّرة.
خلال ساعات فقط انتشر خبر الأميرة بين كثيرٍ من أطفال المدينة، فصاروا يحضرون بالعشرات لرؤيتها، وقد رفض صاحب الدكان أن يبيعها، لأنه لا يملك منها دميةً أخرى. إنها للدعاية –كما قال- وفي الأسابيع القادمة ستأتيه أعداد منها، فيستطيع الراغبون عندئذٍ أن يحصلوا عليها.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل حدث شيء آخر: تضايق البائع من كثرة الأطفال القادمين إلى دكانه، فمنعهم من الدخول، لكنَّ ثلاثةً منهم رجَوْه، وألحوا، فسمح لهم أن يدخلوا مدة عشر دقائق. أثناء وجودهم مدت الدمية يدها، ورمتْ سكَّرة، فقفز الثلاثة في الهواء، ولما أمسكها أحدهم هتف الآخران:
-هييه يا أميرة.. واحدة لي.. واحدة يا حلوة.
قال الدب بعد أن رفع مؤخرته الثقيلة، وخَبَطها على الرّف، فكاد ينكسر:
-اسمعوا.. ها هم يهتفون لها!
ردد الببغاء:
-اسمعوا.. ها هم يهتفون لها!
ارتفعت أصوات الدمى كلها:
-هذه إهانة لنا جميعاً!
عادت إلى الدب روحُ السخرية، فقال:
-في الليل سأضغط عليها بمؤخرتي، فأجعلها مثلَ هريسة اللوز!
هزَّ النمر رأسه قائلاً:
-سأترك لك أمرها، فأنا لا أهتم بهذه الفرائس الصغيرة.
عندما اقترب الدب منها ليلاً لم تخف منه كما توقَّع، لكنها قالت:
-مرحباً.
ورمتْ سكَّرة، فالتقطها بقائمته الأمامية، وقال لنفسه: ((تضحك عليَّ بهذه الهدية!))
اقترب منها أكثر والشر في عينيه، لكنَّ شيئاً جمَّده في مكانه قبل أن يصل إليها.. إنه نور ابتسامتها الحلوة.. نورٌ لطيف كأشعة القمر يضيء ظلام الدكان!
في تلك اللحظة رمتْ سكَّرةً ثانية على رقبته، فدغدغتْهُ، فتعجب من نفسه إذ وجد أنه يشعر ببعض المرح، ولا يدري إن كان وجهه قد ابتسم للأميرة!
الغريب أكثر أنه جلس أمامها كطفل، وقال:
-أرجوك أيتها الجميلة احكي لي حكايتك.
رمتِ الأميرةُ السكّرة الثالثة، وبدأت تتكلم:
-أنا مجرد دمية صنعوني على شكل أميرة رائعة عاشت في الزمان القديم اسمها (لؤلؤة). كانت وحيدةَ أبويها، وكان والدها حاكمَ مدينة وراء البحر، يعمل أهلها في استخراج الذهب، لكنَّ رجاله كانوا يستولون على القسم الأكبر من ذهبهم، وينقلونه إلى خزائنه.
عندما دخلت لؤلؤة المدرسةَ في طفولتها خافتْ منها التلميذاتُ والتلاميذ، وتوقعوا أن تستولي على أدواتهم، لكنها راحت توزِّع السكاكرَ على الجميع، فبدؤوا يحبونها، ومع مرور الأيام كبرتْ، فقال عنها أهلُ المدينة:
((لؤلؤة لا تشبه أباها)).
((لؤلؤة زهرة في أرض الشوك)).
((لؤلؤة تشبه أمها الطيبة)).
وذات يوم ثار أهل المدينة على أبيها، وقتلوه، ولما صارت أميرةً في مكانه طالبتها أمها بالثأر له، فقالت:
-طبعاً سأثأر.. قسماً سأثأر.
في الحقيقة كانت أمها تكره قسوةَ أبيها، لكنها حزنتْ لقتله، فدعتها لتثأر له.
خاف الناس من الأميرة التي أحبوها حينما علموا أنها مصممة على الثأر، وفي أحد الأيام مرَّ موكبها في شوارع المدينة، فإذا بها شبه خالية! توقف الموكب في الساحة الكبيرة، وأمرت الأميرة مناديها أن يدعو الناس إلى الخروج، لكنَّ أحداً منهم لم يفتح باب بيته، عندئذ قالت لجنودها:
-هيئوا المدافع.
كان أهل المدينة يراقبون من وراء النوافذ، فقالوا:
-إنَّ لؤلؤة مثل أبيها، وقد خدعتنا زمناً طويلاً!
لكنّ انفجار الطلقات أحدث مفاجأة كبيرة! صاحت امرأة:
-السماء تمطر حلوى!
وصاح رجل:
-إنها سكاكر.. سكاكر!!
انفتحت الأبواب والنوافذ كلها، وخرج الكبار والصغار يلتقطون هدايا الأميرة التي وضعتها في المدافع بدلاً من القذائف، ثم انطلقوا نحوها يهتفون:
-عاشت لؤلؤة.. عاشت أميرة السكَّر.
بدءاً من ذلك اليوم نما حبهم للأميرة كما تنمو الأشجار تحت أشعة الشمس، فقد فتحتْ لهم خزائنَ البلاد، وأتاحت لهم فرصَ العمل، وأخذت ترسل للفقراء منهم كلَّ ما يحتاجونه مع السكاكر: طعاماً وسكاكر.. ملابسَ وسكاكر.. كتباً للثقافة وسكاكر!
لكنَّ أمها غضبتْ ذات مساء، وسألتها:
-لماذا لم تثأري لأبيك يا لؤلؤة؟
قالت لؤلؤة:
-لقد ثأرتُ يا أمي.
-كيف؟!
-قتلتُ الحقد في القلوب، وزرعتُ مكانه الحب.
صاح الدب:
-فعلاً إنها أميرة رائعة!
التفت حوله، فرأى الدمى الأخرى قد اقتربتْ، ويبدو أنها سمعت الحكايةَ كلَّها، فهتف الجميع:
-عاشت أميرة السكر.

منقول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.