اشد سـاعات النـــدم على الانسان ….
في ساعات الندم لا يجلس الإنسان إلا ويتذكر معاصيه وذنوبه، ويتذكر فيها ما فرط في الدنيا وغفلته فينتبه فيصبح عنده انكسار لله عز وجل يندم فيه على ما فرط
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجة : (الندم توبة ) فإذا جلس الإنسان يتذكر ذنوبه وأخذ يذكر تلك المعاصي، وتلك الليالي الظلماء، ويتذكر يوم أن جلس مع صديق السوء، ويتذكر يوم أن فتح المجلة الخليعة فنظر، ثم يتذكر عفو الله عليه، وإمهال الله له وحلم الله عليه يبكي والله.
*·~-. ساعة الاحتضار .-~*
قال الله عز وجل: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].ساعة كلنا مقبلون عليها، وكل منا سوف يأتيها، الصالح والفاجر والملك والفقير، العظيم والحقير، الكبير والصغير، كلٌ منا سوف يقدم عليها، ما هي هذه الساعة؟ إنها ساعة الاحتضار،
عثمان رضي الله عنه كان إذا حضر جنازةً بكى، قيل له: ما يبكيك رحمك الله؟ قال: [القبر أول منازل الآخرة، فإن كان يسيراً فما بعده أيسر، وإن كان شديداً فما بعده أشد ].
عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الخليفة الراشد بعدما صلى بالمسلمين العيد خرج مع أصحابه فمر على مقبرة فقال لأصحابه: اجلسوا انتظروني، فنزل من بغلته -وكان أميراً للمؤمنين- ونظر إلى الملوك والأمراء والوزراء والعظماء والسادة أين هم تحت التراب، فأخذ ينشد ويقول:
أتيت القبور فناديتـها أين المعظم والمحتقر
تفانوا جميعاً فما مخـبر وما توا جميعاً ومات الخبر
تروح وتغدو بنات الثرى فتمحوا محاسن تلك الصور
فيا سائلي عن أناس مضوا أما لك فيما مضى معتبر
ثم قال: أيها الموت! ماذا فعلت بالأحبة؟! ثم جلس وأخذ يبكي وينتحب، ثم رجع إلى أصحابه وهم ينظرون إليه، فقال: أتدرون ماذا يقول الموت؟ قالوا: لا ندري. قال: يقول: بدأت بالحدقتين فأكلت العينين، وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين، والقدمين عن الساقين، والساقين عن الفخذين.
{ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } [القيامة:26-27]
*·~-. ساعة الانتباه في القبور .-~*
ساعة يطول فيها مكوث العبد في قبره في الظلمة، يقام في ذلك القبر الضيق المظلم فماذا ينظر؟ إنه يرى ملكين أسودين أزرقين يقولان له: من ربك؟ ما دينك؟ ما تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، هاه هاه لا أدري، ماذا يدري في الدنيا؟ ماذا يحفظ؟ يحفظ الأغاني والزمر والطرب، يحفظ المسلسلات والأفلام، أما أنه يحفظ كلام الله فلا والله، أما أنه يعرف السنن، فلا والله، كان يقلد فلاناً وفلانة ولا يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لا يعرف في الدنيا كلام الله، بل كان يعرف كلام الشيطان.
إن لم تجب على ذلك السؤال ماذا يكون مصيرك؟!!
{ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27].
*·~-. ساعة البعث من القبور.-~*
يوم يكون العبد في قبره معذباً يضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه، وفي لحظة من اللحظات ينشق عنه القبر، ماذا يسمع؟ يسمع صوت السماء وهي تنشق وتنفطر، ينظر إلى الكواكب وهي تتناثر، والشمس قد انطمست وذهب نورها، يخرج من قبره فينظر إلى البحار قد انفجرت وتحولت إلى طين، ماذا يخرج من تحته؟ إنهم أناس يخرجون من تحته، والوحوش تخرج، ما بال الناس ينفضون عن وجوههم التراب، ماذا يقول؟ يقول إن كان مفرطاً: { يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا } [يس:52] يصرخ.. يا ويلنا ماذا فعلنا في الدنيا؟! كان لاهياً غافلاً متمتعاً، كان يأكل ويشرب، كان يلهو ويلعب، كان غافلاً عن الأجل فيصرخ ويقول: يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا [يس:52] فيقول الصالحون له: { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس:52].
*·~-. ساعة رؤية جهنم.-~*
ومن ساعات الندم ذلك اليوم الذي سماه الله يوم الحسرة:
لم سمي يوم الحسرة؟ لما يتحسر فيه الناس ويندمون على ما فرطوا في هذه الدنيا، فإذا رأوا جهنم تذكروا الدنيا، وتذكروا الملذات، والناس إذا رأوا جهنم جثوا على الركب، وأيقن المجرمون أنهم بالعطب، وأفصحت جهنم عن الغضب، وهناك يقول كل واحد من الناس: نفسي نفسي: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } [الفرقان:12] يرى الناس جهنم وهي تجر، لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، يقول النبيون نفسي نفسي، ماذا يقول المذنبون؟ ماذا يقول المسيئون؟ ماذا يقول المذنب؟ إذا كان الأنبياء يقولون: نفسي نفسي، ماذا نقول نحن يا عباد الله؟
{ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج:6-7] ثم نتذكر في ذلك الموقف: { كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ} [الفجر:21-23]
*·~-. ساعة جعل الحسنات هباء منثوراً .-~*
نظرت إلى الصلوات، ونظرت إلى الصيام والحج فإذا بها قد جعلها الله هباءً منثوراً، نظرت إلى عبادتك إلى طاعتك ففرحت، جبال من الحسنات فإذا الله عز وجل يجعلها هباءً منثوراً! لم؟ في ليلة من الليالي كنت تجلس لوحدك فتعصي الله، فتجد بعض الناس في تلك الساعة يعضون أصابعهم من الندم{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} [الفرقان:27]
ماذا ترى في يوم الحسرة؟ ترى بعضهم يصرخ ويقول: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً [النبأ:40] تنظر يمنة ويسرة فترى الولدان قد شابت رءوسهم، ترى القلوب قد بلغت الحناجر في يوم الندم والحسرة، ترى بعض الناس يصرخ، ما هذا؟! لأنه كان يزني ويشرب الخمور والمخدرات، كان لا يصلي، كان لا يعرف لله عز وجل حقاً، تنظر إليه في تلك الساعة وهو يبكي ويقول:{ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ } [الزمر:56] وبعضهم ماذا يقول؟ {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } [الزمر:57] وكذب والله! لو كان يريد الهداية لهداه الله، ولو بدأ بالخير لأعانه الله عليه:{[ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:3] حتى يوم القيامة يكذب على الله ويقول:{ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزمر:57]
*·~-. ساعة الوقوف للحساب .-~*
وفي تلك اللحظة وهو قد ندم وتحسر يناديه الله عز وجل، وتناديه الملائكة: أين فلان بن فلان؟ فيريد أن يهرب لكن الملائكة يأتونه ويجرجرونه بالسلاسل، فيقف أمام الله فيذكره الله عز وجل بذنوبه ومعاصيه، فيقال له: أتذكر ذنب كذا؟ أتذكر تلك الليلة؟ أتذكر ذلك النهار؟ أتذكر يوم كنت تستهزئ بالصالحين؟ أتذكر يوم كنت تغتاب الناس؟ أتذكر ذلك المجلس الذي كنت تستهزئ به من فلان وفلان؟ أتذكر وتذكر ثم يقال: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:30-32]
انظر إلى حالهم أمام الله وقد قُرروا بالذنوب وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12] بلغت القلوب الحناجر وشخصت الأبصار، انظروا إلى النار التي كنتم تستهزئون بها وتكذبون: أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا [الطور:15-16] انظروا إلى النار وَرَأى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً [الكهف:53].. { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}
*·~-. ساعة الندم في النار .-~*
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يأتي البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يبكون الدم ) الدمع ينقطع في النار فيبكون الدماء، هل تصورت هذا المنظر؟ وهل تعدل النظرة إلى التلفاز تلك اللحظة؟ هل تعدلها تلك السهرة أو ذلك اللقاء معها؟ هل تعدلها تلك الصحبة الفاسدة؟ لا والله.
يقول: (ثم يبكون الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة الأخدود من كثرة البكاء -تشق الوجوه كالأخاديد- ولو أنزلت فيه السفن لجرت ) لو أنزلت السفن في دموعهم ودمائهم لجرت السفن.
{ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ } [الأحزاب:66]
فماذا يتذكرون؟ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا [الأحزاب:66-67]
منقول للعظه والعبره