إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين؛ فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
أما بعد:
اعلموا أن المتأمل لحالنا -نحن المسلمين- اليوم، وحال زماننا وما ظهر فيه من الآفات والفتن، وما حصل فيه من انفتاح كبير على الدنيا وزخرفها حتى ظن أهلها أنهم قادرون عليها أو مخلدون فيها؛ ليشعر بالرهبة والإشفاق والخوف الشديد من مظاهر وعواقب هذه الحال؛ إذ قد قست منا القلوب، وتحجرت العيون، وهُجر كتاب علام الغيوب، بل قُرئ والقلوب لاهية ساهية في لُجَج الدنيا وأوديتها سابحة، كيف لا وقد زينا -غير متبعين- جدران بيوتنا بآيات القرآن، ثم لم نُزين حياتنا بالعمل بالقرآن، يقرؤه البعض منا -غير مقتدين- على الأموات، ثم لا يحكمونه في الأحياء، بل جعلت البركة في مجرد حمله وتلاوته، وتركت بركته الحقيقية المتمثلة في اتباعه وتحكيمه امتثالاً لقول الله: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155]^ غفلنا ولم نشعر أننا غفلنا، وهذه -لعمر الله- أدهى وأَمَرُّ فينا؛ كثر القلق، وغلب الهم والحزن، وصَاحَبَ ذلك الأَرَق، مُكِر مكر شديد بالليل والنهار بأساليب ووسائل خبيثة ماكرة، تزين الفاحشة وتصدُّ عن الآخرة.
فَشَتْ الفواحش والمظالم، ونيل من الأعراض، وأكلت الأموال، وظهرت صور صارخة من الحسد والبغضاء والفُرْقَة والخلاف حتى بين أهل الفضل والإحسان، وعندها اسُتضعف المسلمون، وتبجح وتسلط الملحدون والمجرمون.
قلنا ولم نفعل أمام عدونا وعلى أحبتنا نقول ونفعل
قلَّ الاهتمام و العناية بركيزة الوعظ والتذكير كركيزة تربوية مؤثرة مفيدة، فصرت تسمع من يقلل من أهمية كتاب أو محاضرة أو درس يُرَكِّز على هذا الجانب، فيقال: هذا كتاب وعظي، ومحاضره وعظية، ومقال عاطفي، وكبرت من كلمة:
إن صح أن الوعظ أصبح فضلة فالموت أرحم للنفوس وأنفع
فلولا رياح الوعظ ما خاض زورق ولا عبرت بالمبحرين البواخر
عندها عُطلت طاقاتنا الإيمانية.
وكيف يعيش في البستان غرس إذا ما عُطلت عنه السواقي
هبت رياح المعصية فأطفأت شموع الخشية من قلوبنا، وطال علينا الأمَدُ فَعَلا القلوب قسوة كما قست قلوب أهل الكتاب؛ فهي كالحجارة أو أشد قسوة.
أسأنا فهم الدين الذي هو سر تميُّزنا وبقائنا، فشُغلنا بالشكل عن الجوهر، وبالقالب عن القلب، وبالمبنى عن المعنى، بذكريات مجيدة وتواريخ تليدة، نحتفل غالباً مبتدعين غير متبعين، وأحياناً نهتم بطبع الكتب الشرعية مفتخرين، ثم نتمرد على مضمونها هازئين.
حالنا كالذي يقبِّل يد والده ولا يسمع نصحه، إنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين، وإنَّا لنخشى أن نصبح في زمرة من قال الله فيهم: الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [الأعراف:51]^ وأسوأ ما تمرُّ به أمة، وأتعس ما تمرُّ به أمة أن يصبح اللهو فيها ديناً، والدين فيها لَهْواً، ثم لا تسمع نصحاً.
بُحَّ المنادي والمسامع تشتكي صَمَماً وأصبحت الضَّمَائِر تُشْتَرى
تاهت سفائنها فما خاضت بها بحراً ولا هي في الشواطئ تظهر
وقد وردت آيات كثيرة في كتاب الله تحث على الوعظ:
قَالَ الله تَعَالَى: (ادْعُ إِلَى سَبيلِ رَبِّكَ بالحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) [النحل: 125].
قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) [النساء:63].
قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * …) الآيتين [النساء:66-68].
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) [يونس:57].
قال تعالى: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ) [النور:34].
قال تعالى: (قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ) [الشعراء:136].
قال تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [الطلاق:2].
وكذلك من السنة النبوية فهي مبينة للكتاب:
عن أَبي وائلٍ شقيقِ بن سَلَمَةَ، قَالَ: كَانَ ابنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يُذَكِّرُنَا في كُلِّ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمانِ، لَوَدِدْتُ أنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ: أمَا إنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أنَّي أكْرَهُ أنْ أُمِلَّكُمْ، وَإنِّي أتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ، كَمَا كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. متفقٌ عَلَيْهِ
يَتَخَوَّلُنَا): يَتَعَهَّدُنَا).
عن أَبي اليقظان عمار بن ياسر رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (إنَّ طُولَ صَلاَةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقههِ، فأطِيلُوا الصَّلاَةَ وَأقْصِرُوا الْخُطْبَةَ) رواه مسلم
(مَئِنَّةٌ بميم مفتوحة ثُمَّ همزة مكسورة ثُمَّ نون مشددة، أيْ: عَلاَمَةٌ دَالَّةٌ عَلَى فِقْهِهِ).
عن مُعاوِيَة بن الحكم السُّلَمي رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَا أنَا أُصَلّي مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَرَمَانِي القَوْمُ بِأبْصَارِهِمْ! فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ، مَا شَأنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بأيديهم عَلَى أفْخَاذِهِمْ! فَلَمَّا رَأيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لكِنّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَبِأبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأيْتُ مُعَلِّماً قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيماً مِنْهُ، فَوَاللهِ مَا كَهَرَني، وَلاَ ضَرَبَنِي، وَلاَ شَتَمَنِي. قَالَ: (إنَّ هذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ، وَقِراءةُ القُرْآنِ)، أَوْ كَمَا قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلتُ: يَا رسول الله، إنّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللهُ بِالإسْلاَمِ، وَإنَّ مِنّا رِجَالاً يَأتُونَ الْكُهّانَ؟ قَالَ: (فَلاَ تَأتِهِمْ) قُلْتُ: وَمِنّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ؟ قَالَ: (ذَاكَ شَيْء يَجِدُونَهُ في صُدُورِهِمْ فَلاَ يَصُدَّنَّهُمْ) رواه مسلم
(الثُكْلُ) بضم الثاءِ المُثلثة: المُصيبَةُ وَالفَجِيعَةُ. (مَا كَهَرَنِي) أيْ: مَا نَهَرَنِي
4- عن العِرْباض بن ساريَةَ رضي الله عنه، قَالَ: وَعَظَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ … وَذَكَرَ الحَدِيثَ وَقَدْ سَبَقَ بِكَمَالِهِ في باب الأمْر بِالمُحَافَظَةِ عَلَى السُّنَّة، وَذَكَرْنَا أنَّ التَّرْمِذِيَّ، قَالَ: إنّه حديث حسن صحيح
ومن الاثار:
عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "ولا ألفينك تأتي القوم، وهم في حديث من حديثهم، فتقصُّ عليهم، فتقطعُ عليهم حديثهم، فتملُّهم، ولكن أنصت فإن أمروك فحدثهم وهم يشتهونه " صحيح البخاري.
قال مغيرة بن مقسم: "إني لأحتسب في منعي الحديث كما تحتسبون في بذله" تهذيب الكمال.
قال محمد بن الرواس: " جالس الحكماء، وصاحب العلماء، وخذ من كل مشهور ومسموع حكمة ترفع الهمة، ولا تعظ وتبقى غير متعظ فتكون كالمنخل يلقي لغيره ويبقي له النخالة.
قال محمد بن تمام: " الموعظة جند من جنود الله تعالى، ومثلها مثل الطين يضرب به الحائط؛ إن استمسك نفع، وإن وقع أثر ".
قال رجل لابن المبارك: هل بقي من ينصح؟ قال: " فهل تعرف من يقبل؟ " مواعظ الإمام عبدالله بن المبارك للشيخ صالح الشامي.
وقال الإمام عبدالله بن المبارك: " ما بقي في زماننا أحدٌ أعرف أنه أخذ النصيحة بانشراح قلب " مواعظ الإمام عبدالله بن المبارك للشيخ صالح الشامي.
سئل الحسن البصري رحمه الله: " يا أبا سعيد مالنا إذا أتيناك بكينا، وإذا أتينا سواك ما بكينا؟ فقال: " ليست النائحة كالثكلى ".
قال الإمام الشافعي: " من وعظ أخاه بفعله كان هادياً ".
قال العلاَّمة السعدي -رحمه الله-: عنوان سعادة العبد: إخلاصه للمعبود، وسعيه في نفع الخلق " تفسير ابن سعدي.
قال أبو هلال العسكري: " والقول القصد أن الإيجاز والإطناب يُحتاج إليهما في جميع الكلام، وكل نوع منه، ولكل واحد منهما موضع؛ فالحاجة إلى الإيجاز في موضعه كالحاجة إلى الإطناب في مكانه؛ فمن أزال التدبير في ذلك عن جهته، واستعمل الإطناب في موضع الإيجاز، واستعمل الإيجاز في موضع الإطناب أخطأ " الصناعتين لأبي هلال العسكري.
* وللوعظ فوائد عظيمة :
(1) زجر العاصي والفاجر.
(2) تذكير الغافل.
(3) تجديد الإيمان وتحريكه في النفوس.
(4) تثبيت المهتدي بالله.
(5) تعريف الخلق بالخالق.
(6) تبصير الناس بشرائع الإسلام وحدوده.
(7) كشف مكائد الشيطان وأعوانه من الأنس والجن وجهودهم في إغواء الأمة وإخفاء نور الملة.
* وهناك آ داب ينبغي للواعظ ان يتحلى بها:
(1) أن يكون مخلصا في موعظته.
(2) أن يكون عالما بما يعظ به . مر علي رضي الله عنه بقاص فقال أتعرف الناسخ والمنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت.
(3) أن يكون رفيقا في موعظته.
(4) أن يصبر على أذى الناس.
(5) أ ن يكون عاملا بما يأمر الناس وينهاهم به.
(6) أن يكون فصيح اللسان لايلحن في موعظته.
(7) أن يكون متبعا للسنة معظما لأثار السلف.
(8) أن يكون ورعا في مسائل الحلال والحرام وقافا عند حدود الله
* وينبغي أن يكون خطاب الوعظ معتمدا على الكتاب والسنة وأقوال العلماء الموثوق بهم , فإنه يقبح بالواعظ أن تخلو موعظته من آي القرآن وحديث النبى صلى الله عليه وسلم وتكون مجرد خواطر وأفكار وقصص , وما وعظ الإنسان بشيء أنفع من القرآن والسنة قال تعالى (وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا) وقال تعالى (يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور ).
* ومن فقه الوعظ أن يجمع الواعظ بين أسلوب الترغيب والترهيب في موعظته , فلا يقتصر على الترهيب فيقنط الناس من رحمة الله ولا يقتصر على الترغيب فيؤمن الناس من عذاب الله ومكره, وأن يراعي أحوال السامعين , فإن كان الغالب عليهم التقصير والغفلة غلب جانب الوعيد والخوف من عذاب الله وغضبه ,وإن كان الغالب عليهم الصلاح والاستقامة غلب جانب الوعد والرجاء ، وليس من الفقه ذكر أحاديث الرجاء والنعيم عند قوم أسرفوا على أنفسهم فيحملهم ذلك على الاجتراء على محارم الله والوقوع في الغرور والأماني الكاذبة , وهذا من مسالك المرجئة لاكثرهم الله ووقى الأمة شرهم.
* وثمة أخطاء شائعة في الوعظ:
1- الوعظ في أوقات غير مناسبة للناس كشدة المناخ , أو شغل الناس وغيره. وكذلك الوعظ في أماكن غير مناسبة كالمستشفى وقصر الأفراح وأماكن اللهو والفساد.
2- تكرار الوعظ في مدة قصيرة بشكل دائم كل يوم ونحو ذلك.
3- الإطالة في الوعظ لغير داع أو ضرورة , فإن السنة التقصير إلا لشيء عارض.
4- الإكثار من المواضيع في الموعظة الواحدة مع سرعة الانتقال بينها مما يشوش على السامع ويجعل الفكرة غير واضحة .
5- وعورة الأسلوب باستخدام وحشي الكلام وغرائب اللغة .
6- الإعتماد على الأحاديث المنكرة والأخبار الواهية.
7- التوسع في القصص الغريبة والمبالغة في ذكرها.
8- النزول في الأسلوب والإكثار من كلام العامة.
9- المبالغة في ضرب المثال التافهة.
10- تضحيك الناس والتهريج عليهم والاستخفاف بعقولهم ، وقد سلك هذا المسلك بعض القصاص هداهم الله.
11- تجريح السامعين والتهجم عليهم.
12- توصيف المنكرات والتوسع في ذكر الفواحش وطرقها.
1. 13-التحدث بلغة عاليه وخطاب فكرى في قضايا لاتناسب مدارك الحضور وثقافتهم
13- الطعن في العلماء وغمز الولاة .
14- طرح المسائل الدقيقة والمباحث المتخصصة التي لاتدركها العقول فتكون فتنة لأصحابها.
* ومن الأصول المهمة في هذا الباب أن يعلم الفرق العظيم بين العلم الفقيه والواعظ فليس كل من امتطى المنبر ووعظ فأبكى صار فقيها عالما بالحلال والحرام ، فالواجب على الواعظ مراعاة هذا الأصل وأن يوقن أنه ليس من اختصاصه الإفتاء , وإذا سئل عن مسألة لم يتكلم فيها الا إذا كان ناقلاً لكلام أهل العلم ضابطاً له ولا ينبغي له أن يغتر بما حصل له من الشهرة وكثرة الأتباع فيتجرأ على الفتوى، ويعظم الأمر إذا تكلم في مسائل الأمة والنوازل فيضل الناس ويوقعهم في حرج عظيم ، وليعلم أن إمساكه عن الكلام لايحط من قدره بل يرفع منزلته عند الله ويعلى قدره عند الخلق.
* ومن فقه الواعظ أن يتوخى الوعظ في المناسبات المهمة ويتفقد حوائج الناس واهتماماتهم فيعظهم ويذكرهم , فقد كان رسول الله حريصا على إيصال الخير لهم في كل مناسبة مهمة ولا يفوت فرصة ، وعظهم في الجهاد عند التحام الصفوف وعند القبر قبل الدفن وعند رؤيته الفقراء والمحتاجين وغير ذلك مما يحتاجه الناس ويعرض لهم من النوازل كل ذلك ثابت في السنة.
* كما ينبغي على الواعظ أن يكون حريصا في وعظه على جمع الكلمة على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , وتأليف القلوب وحث الناس على لزوم الجماعة وطاعة ولى الأمر والإصلاح بين الراعي والرعية وكل ما يحقق ذلك كما كان أئمة السنة يعتنون بذلك وهو دليل على بصيرة الواعظ وكمال نصحه للأمة.
* ويجب على الوعاظ أن يرشدوا الناس إلى العلم ويدلوهم على أهله ويرغبونهم في التفقه في الدين ولا يصرفونهم عنه قال أبو قلابة ما أمات العلم إلا القصاص يجالس الرجل القاص سنة فلا يعلق منه شيء ويجالس العالم فلا يقوم حتى يتعلق منه شيء. وفي الحديث " إن بني إسرائيل لما هلكوا قصوا "رواه الطبراني.
* وإلقاء الموعظة ارتجالا من أهم الأساليب المؤثرة على السامعين ولا يحصل لهم ملل ولا سآمة, واذا كان الواعظ يرفع صوته ويحرك يده ويتفاعل مع الكلام تأثر السامع بموعظته روى مسلم عن جابر قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ، وإذا نبع الكلام من القلب لامس شغاف القلوب وخالطها وإذا لم يخرج من القلب لم يصل إلى القلب وصار وبالا على صاحبه.
* وقد وردت آثار كثيرة عن السلف في ذم الوعاظ والقصاص ومرادهم بذلك طائفة من الوعاظ كان يغلب عليهم الجهل ومخالفة السنة وحكاية الأحاديث الموضوعة والأخبار المنكرة وإشاعة البدعة وإشغال الناس بالغرائب , ولا يزال هذا الصنف موجود في زماننا ، أما من وعظ بعلم واهتدى بهدى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقد وافق الشرع , وقام بعمل عظيم من أبواب الجهاد وأبرأ الذمة , ورفع الحرج عن الأمة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وقال الإمام أحمد بن حنبل : »ما أحوج الناس إلى قاص صدوق لأنهم يذكرون الموت وعذاب القبر.وفال: ما أنفعهم للعامة لولا أن عامة ما يحدثون به كذب.
* ومن فتح له في باب الوعظ فليستعن بالله و ليغتنم عمره وليقبل على هذا العمل الجليل ولا يكسل ، وليحذر تخذيل الشيطان ومداخله فإن الشيطان لعنه الله له مداخل كثيرة على العامل تعوقه عن العمل ، من أخطرها أن يوسوس له بقوله : كيف تعظ الناس وتذكرهم وأنت مفرط في العمل مقصر في ذات الله واقع في الذنوب . وهذا باطل لا ينطلي على أهل البصيرة فتقصير العبد لا ينافي مشاركته في الوعظ ولا يسقطه عنه ، فلا يترك الخير لأجل بعض الذنوب لأنه لا أحد يسلم من هذا ولو ترك ذلك لعم الشر وذهب الخير واندرس الإسلام والله المستعان .
* ويجب على الواعظ أن يراعي تحقيق مراد الله ورسوله في خطابه ووعظه والسعي في إصلاح أديان الناس وتعبيدهم لله ولا يكون همه إرضاء الناس وإلقاء ما يوافق أهوائهم ويطربهم فإن العامة في كل عصر يولعون بسماع الغرائب والعجائب والخرافات والمضحكات ويكرهون سماع الحق وتقويمهم ، فلا يكترث لهم ولا يفرح بسوادهم وليجعل رضا الله نصب عينيه.
* ومن أعظم الفتن التي تعرض للواعظ أن يقصد بعمله الشهرة أو يجعل الوعظ مطية يتكسب به ويتطلع لما في أيدي الناس ويسعى للحصول على الجاه والمنصب وقد نهى السلف عن ذلك أشد النهي.أما إذا أحسن القصد واتقى الله ثم حصل له ثناء حسن فلا يضره ذلك ولا ينقص من أجره.
* واللائق بالواعظ أن يتحلى بالورع وتكون هيئته السكينة والوقار وزيه زي الصالحين ويتجافى عن الدنيا وألا يخالف فعله قوله ، وكل واعظ ليس عليه سيما الصلاح قل أن ينفع الله به ويتأثر به الناس.
مواعظ الواعظ لن تقبلا *** حتى يعيها قلبه أولا
يا قوم من أظلم من واعظ *** خالف ما قد قاله في الملا
أظهر بين الناس إحسانه *** وبارز الرحمان لما خلا
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله عليه نبينا محمد المبعوث خير المرسلين والحمد لله رب العالمين .
جمع واعداد
صفحة أمل