تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الحب الأول هل يدوم وهل ننسى الحبيب

الحب الأول هل يدوم وهل ننسى الحبيب 2024.

الحب الأول ..هل يدوم..وهل ننسى الحبيب

الحب الأول ..هل يدوم..وهل ننسى الحبيب
إن الحب الأول مرتبط في الأذهان بتلك المشاعر البريئة التي شعر بها الإنسان وهو يخطو خطواته الأولى في عالم المراهقة، وقد وقعت عينه أو عينها على بنت أو ابن الجيران أو زميل أو زميلة الدراسة أو ابن العم أو بنت العم فانطلق قلبه أو قلبها يدق بعنف وقد بردت الأطراف ولهثت الأنفاس وتلعثمت الكلمات معلنة ميلاد قصة حب تبدأ بتبادل النظرات عن بعد.
ميلاد التجربة
وتبدأ محاولات التجرؤ لجر أطراف الكلام، ثم التصريح بالحب من أول نظرة، ليبدأ السهاد والسهر على أنغام الأغاني الرومانسية والنظر إلى القمر والنجوم، وانتظار لحظات اللقاء السريعة التي تنطلق فيها التنهيدات حارة لتسري مشاعر دافئة في الأوصال.
ولا مانع من بعض الرسائل المتبادلة المكتوبة بلغة بسيطة مليئة بالأخطاء الإملائية يبث فيها كل طرف مشاعره للآخر، ليظل الطرف الثاني يقرؤها ويحفظها ويريها لمن يثق فيه، ولتضحك الدنيا عندما يضحك الحبيب، ولتحزن عندما يغيب.
ويرى المحب في حبيبه ملاكا طاهرا كامل الأوصاف، كل ما فيه جميل يغمض عينيه بالليل ليراه في أحلامه، فلا يوقظه عن النوم إلا تأكده أنه يراه رؤية الحقيقة.
وهكذا تمضي الأيام وردية جميلة لا يعيبها إلا أنها لا تمضي بالسرعة الكافية حتى يأتي يوم اللقاء المرتقب، يوم يجمع القلبين المتحابين بيت واحد هو عش العصفورة الذي يكفينا.
تلك هي قصة الحب الخالدة التي نري أعيننا وعقولنا أنها تفوق قصة روميو وجولييت، وقيس وليلي، فمن المؤكد أنهم لم يشعروا بما نشعر به، ولم يحبوا بعضهم كل هذا الحب الذي يملأ جوانح النفس حتى يفيض على كل الدنيا حبا يجعلها جميلة ويجعل "كل الناس حلوين".
ولأن الدنيا لا تثبت على حال، ولأن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، تنتهي هذه القصة الجميلة لأسباب عديدة، تبدو ظالمة من وجهه نظرنا في هذا الوقت.
أما بالنسبة للمحيطين بنا، فلأنهم لا يعرفون الحب، ولأنهم لم يذوقوا طعمه، فهم يقفون ضدنا وضد حبنا، ولكن هيهات.. هيهات فسنظل مخلصين لهذا الحب الذي كان، ولن نحب مرة أخرى ولا نتصور أنفسنا مع أحد آخر غير من أحببناه، فقد أحببنا مرة ولن نحب مرة أخرى.
لتكون هذه القرارات الحاسمة هي آخر ما نغري به أنفسنا ونحن نطوي هذه الصفحة الأخيرة من كتاب الحب، والذي نأتي فنسميه الحب الأول وكأن هناك حبا ثانيا وثالثا، وهذا ما لا نتصوره أو نقبله.
وترحل التجربة للماضي
وتمضي الأيام والشهور والسنون وذكرى هذه الأيام الجميلة تلوح من بعيد، ربما يحلو للبعض استعادتها كحلم لتخفف عنه وطأة الواقع الذي يعيشه، حتى يفكر صاحبنا أو صاحبتنا في الارتباط، سواء بشكل تقليدي بمقابلة من يرشحه الأهل والأقارب، أو بالالتقاء بزميل أو زميلة عمل تبدأ فيه القصة بالإعجاب المتبادل الذي يتطور هذه المرة في اتجاه واقعي.
وفي كل الأحوال تنمو في أنفسنا مشاعر مختلفة، تبدو أكثر نضجا وعمقا، ولكنها تظل تذكرنا بالحب الأول، فنذهب نقارن، وربما نبحث عن أي صلة بين ما يجري في الواقع، وبين ما جرى في أيام الحلم الجميل، لنعود نجر أذيال الخيبة، فلا الأيام هي الأيام، ولا المشاعر هي المشاعر، ولا الحبيبة هي الحبيبة.
الغالبية في ذلك يتكيفون مع الواقع ويعيشون قصة الحب الجديدة بمفرداتها المختلفة، وينطلقون إلى الأمام يبنون صرح الحب الواقعي القائم على المشاركة والعشرة، وليصرح أيضا الكثير منهم أن حبهم الأول هو هذا الحب الواقعي للزوجة وللبيت والأولاد، حيث الأحلام تحولت إلى إنجازات مشتركة عبر كفاح ولحظات تفاعل وانفعال جعلت هذا الحب يضرب بجذوره في الأرض ولترتفع أعضاؤه في السماء مظللة وحامية من رياح الحياة.
إذن فالحب الأول، هو تلك التجربة الأولى التي تحركت فيها مشاعرنا، والتي قد تكون أيضًا الحركة الفطرية نحو الجنس الآخر، ولأننا مشغوفون بأن نكبر ونصبح مثل الكبار نحب، فإننا نتمسك بها ونطورها ونهيئ الأجواء لتصبح قصة حب نواجه بها العالم ونتحداه؛ لأننا أصلا نبحث عن كل ما نتحدى به العالم سواء في طريقة التفكير أو طريقة الملبس.
ولا مانع أيضا أن نتحداه بقصة حب رغم السخرية والرفض الذي نقابل به من المحيطين بنا، فسخريتهم ورفضهم تزيد الحب اشتعالا؛ ولأنها فترة اشتعال المشاعر؛ ولأنها فترة المبالغة في كل شيء، يصبح لهذا الحب طعما مختلفا لا يمكن نسيانه.
رواية لم تكتمل
ويبقى الحب الأول كرواية لم تكتمل يظل هو الحلم الذي لو اكتمل لتغير وجه الدنيا، لو تزوجتها لكانت هي التي فهمتني، لكانت هي التي أسعدتني.
ولأن لا بد لكل إنسان من حلم يخرج فيه إحباطاته من الواقع، لذا يظل الحب الأول هو الوهم الجميل الذي نعرف جميعا أنه وهم، ولكننا لا نتخلى عنه، ونتحدث عنه كأنه حقيقة؛ لأننا نحتاج ذلك.
ولكننا في الواقع لا ندرك أننا ونحن نسميه الحب الأول نكون قد اعترفنا بوجود حب ثان وثالث، ولكن المسألة ليست في الترتيب ولكنها في النوعية، فالحب يتعدد ويتكرر ولكن لكل حب طمعه المختلف.
غير أن ما يبقي الحب الأول متميزا أنه يظل في ذاكرتنا حبا وحلما لم يتحقق، في حين أن الحب الثاني والثالث يأخذ مناحيَ مختلفة ويسير في طرق واقعية كل حسب ظروفه.
ولتظل كلمة الروائي إحسان عبد القدوس هي الحاسمة: "في حياة كل منا وهم كبير اسمه الحب الأول".
الحب الأول ..هل يدوم..وهل ننسى الحبيب

الحب الأول ..هل يدوم..وهل ننسى الحبيب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.