بعد أن رنّ الجرس الموسيقى والمنبه (المتعارف عليه فى مثل تلك الجهات من مطارات ومحطات قطارات وموانئ) إلى لفت الإنتباة للأستماع إ لى الأعلان الصوتى المنطلق من الأذاعة الداخلية لهذا المطار، بصوت يسمعه الجميع، بصورة واضحة، وكان الصوت الرجالى يتردد فى جميع الأنحاء كالأتى “النداء النهائى والأخير للرحلة رقم ….. (الخاص بشركة الطيران) والمتجهة إلى مدينة ….، الرجاء من السادة المسافرين على هذه الرحلة التوجة إلى بوابة الخروج رقم…."، فهو جالس على كراسى الأنتظار فى صالة المطار،والممتلئة بالعديد من الناس الذين أيضاً ينتظرون أيضاً رحلاتهم المسافرة إلى الجهة التى يقصدونها، والجو الحار والملئ بالرطوبة، بعد أن راجع الموظف المختص بمكتب هذه الشركة، للأنتهاء من إجراءات سفره، والذهاب إلى الصالة الداخلية حيث الصعود إلى الطائرة. فقد طلبوا منه بأن ينتظر بعض الوقت، حوالى الساعة، وبالطبع فأنه لا يستطيع أن يخرج من صالة المطار، ويجب أن يكون على قرب لمتابعة أية مستجدات قد تحدث فى هذا الشأن والوضع. فأنه يرتدى بذلة تدل على أنه فى مهمة رسمية، وأنه يتصرف بحرص وحذر، وتحركاته تكاد تكون محسوبة، ويحمل حقيبتة السامسونايت فى يده، ولا يتركها، مما يدل على أنها فيها أوراقه المهمة، ونقوده والتى قد لا يستطيع ان يتحرك بدونها. ولذلك فأنه دائماً ممسكاً بها، ولا يتركها لحظه، وعينه عليها دائماً، و بعد كل فترة فإن الأعلان عن مثل هذه الرحلات يدوى فى كل جوانب الصالة، لينبه المسافرين إلى الجهة المقصودة، ومواعيد الرحلات التى جاء وقتها، ولابد من تواجد كل المسافرين عليها فى المكان المخصص لها. إنه ليس قلق على عدم السفر، حيث أن الأمكانية كبيرة فى مثل هذا الوقت من السنة بالنسبة لمغادرة البلاد، ولكنه الروتين والإجراءات التى يجب أن تتم فى هذا الشأن وهذا الخصوص. ولكن هناك أشياء أخرى تقلقه وتشغل باله. أنه معتاد على السفر فهذه ليست المرة الأولى التى يسافر فيها، ولكن الظروف مختلفة، وتختلف فى كل مرة عن المرة التى سبقتها، من حيث الأمور التى لابد له من أن يتعامل معها بلباقة وكياسة، فأنه حِمل يجب عليه أن يقوم بمتطلباته وما يجب تجاهه، وكل ما يلزم لذلك. أنها الحياة التى تبدو مثل الدوامه التى وقع فيها، والتى لا يستطيع الخروج منها. إن الأفكار تتزاحم فى ذهنه، ومع أن الجو حار حيث أنه الآن فى أشد أيام الصيف (منتصف شهر أغسطس)، وأن جسده متصبب بالعرق وملابسه مبتله بالعرق. وبعد أن أنتهى الوقت والمدة التى طلب منه الموظف أن يتنظرها ثم يعود إليه ويراجعه بخصوص أكمال إجراءات سفره المطلوبة وكما يجب وينبغى، فأنه قد ذهب إلى الكاونتر الخاص بذلك مرة أخرى، وتحدث إلى الموظف، والذى كان يبدو عليه بعض التعب من الأرهاق من العمل فى مثل هذا الجو الحار، فقد أخذ منه التذكرة وجواز السفر وأنهى له الإجراءات المطلوبة، وتمنى له رحلة سعيدة، فقد أخذ الأوراق الخاصة بالسفر، (البورد كارت)، وتوجه إلى الصالة الخاصة بذلك، حيث أنه لم يعد هناك وقت كافى للشراء من المعارض المنتشرة فى أنحاء المطار، أو أن يتجول بين الأسواق الحرة للشراء إذا كان هناك شيئاً يستحق الشراء. وعليه فأنه أنهى إجراءات الجوازات، وتوجه إلى بوابة الصعود إلى الطائرة، حيث أنه أثناء ذهابه يستمع إلى النداء من أذاعة المطار تعلن عن رحلته التى على وشك الأقلاع فى طريقها إلى الجهة المقصودة. أنه يسرع الخطى فى مشيته للحاق بالرحلة قبل أغلاقها، وهو يقارن بين الدول المتقدمة، وبين ما يحدث هنا، وخاصة فى الوقت الحاضر، من حيث أنه لا يوجد مثل هذه التعقيدات فى الأنتهاء من مثل تلك الإجراءات، ودائماً هناك الأستعدادات بوقت كافى، ولا داعى لمثل هذا التسرع والعجلة، فى اللحاق برحلته، فليس هناك أنتظار، وأنما المعاملة تكون ممتازة، والإجراءات سهلة وميسرة. أنها الظروف التى تضطره إلى السفر، وهناك الكثير من الأشياء التى يجب أن ينتهى منها فى سفريته هذه، وبعد عودته من السفر كذلك، والقيام بالوفاء بالأعباء والألتزامات المالية، والتى أصبحت عصب الحياة فى يومنا هذا. أنه مديون، ويعلم جيداً، بأن الديون سوف تتزايد فى كل رحلة سفر يقوم بها. ولكن لا يستطيع الأمتناع عن ذلك. أنها الحياة بمتاعبها وهمومها ومشاكلها، أنه كلما تخلص من مشكلة وسداد دين، يجد نفسه قد وقع فى دين آخر، أى أنه يخرج من حفره ليقع فى تحداره، فكيف الخلاص من مثل هذا المآزق، فأنه يبدو بأنه ليس هناك نهاية لذلك. أنه لا يستطيع أن يتخلى عن مثل تلك الألتزامات المالية، وكذلك هناك الكثير من المتطلبات والآمال والأحلام التى يريد أن يحققها من خلال الأدخار، ولكنه لا يستطيع الأدخار، ولكنه دائماً يقع فى الديون، والتى أرهقته كثيراً، وشغلت باله وتفكيره. فإن الضغوط تأتيه من جميع الجهات من العمل من البيت من المدرسة من كل جهة ومن كل ما يحيط به ويحتك به فى حياته. أنه يريد الخلاص ولكنه لا يستطيع ذلك، والكل يواسونه بالصبر، فإنه صابر، وليس هناك شئ يستطيعه غير الصبر، والذى أشتد ولم يعد يستطيع أن يتحمله، وبدأ الأرهاق يظهر عليه، والهموم تؤثر على تصرفاته ومعاملاته. ولكنها الحياة، والتى ليس فيها الراحة. أستقل الطائرة، وهو قلق من كل تلك الأفكار التى تساوره، ولا يدرى كيف يمكن أن يتخلص منها، جلس فى مقعده بدرجة رجال الأعمال، وأقلعت الطائرة، وجاءته المضيفة تسأله عن ما يريد أن يتناوله من وجبة الطعام (حيث الخيارات متعددة لأكثر من صنف من الطعام) فى الطائرة أثناء تحليق الطائرة بالجو، بأتجاة المدينة المسافر إليها. هبطت الطائرة فى المدينة المقصودة التى وصل إليها فى الموعد المحدد، حيث أن شركة الطيران هذه منضبطة فى مواعيدها بدون تأخير أو تعطيل، وبالطبع فإن الوقت متأخر من الليل، وصالة الجوازات بالمطار ليست مزدحمة بالمسافرين كما يحدث فى الكثير من الأحيان فى مطار تلك الدولة، وإن المسافرين الذى وصلوا لم يكونوا بمثل تلك الأعداد الغفيرة، كما يحدث فى الكثير من الأحيان وخاصة فى المواسم الخاصة ببداية الأجازات، والأعياد. أنه ينظر حوله بفكره الشارد، فهناك الجنسيات المختلفة، من الرحلات التى وصلت من دول أوربا، والكل يعيش فى جوه الخاص به، ولديه من العادات والتقاليد المختلفة والتى يمارسها الأفراد والجماعات بصورة تلقائية، والتى قد تلفت الأنظار فى بعض الأحيان من الوهلة واللحظة الأولى، ثم بعد ذلك يتم التأقلم معها، واعتيادها0
(تمت)