قصة الشيخ العجيب
في العُطلَةِ الصَّيفِيَةِ المَاضِيَةِ زَارَ سَـليِمٌ عَمَّهُ في الرِّيفِ ، وَعَاشَ مَعَهُ أَيَامًا مُمْتِعَةً،ثُمَّ كَتَبَ عَنْهُ قَائِلاً:
ـ عَمِّي صَالِح رَجُلٌ سَعيدٌ، حَياتُهُ عَمَلٌ واجتِهَادٌ، وَأيَّامُهُ أفْرَاحٌ وأعْيَادٌ…
عَمِّي صَالِـح يَسْكُنُ القَريَةَ التي وُلدَ بِهَا،مَحْبُوبٌ عِنْدَ سُكَّانِ بَلْدَتِهِ لأنَّهُ لطِيفُ المُعَاشَرَةِ،حُلوُ الكَـلامِ،كَثِيْـرُ الابْتِسَـامَةِ.يَعِيْشُ حَيَاةً عَجِيبَةً غَرِيبَةً، لَكِنَّهَا مُمْتِعَةٌ هَادِئَةٌ…
لَوْ تَسأَلُهُ:
– مَاهِي سَاعَتُكَ؟
يُجيبُكَ عَمِّي صَالِح في زَهْوٍ:
– دِيكٌ يَصِيـحُ وَقْتَ الفَجْرِ وَالظُّهْرِ، وَظِلٌّ أرَاهُ مَعِي يَمْشِي كُلَّـمَا طَلَعَ البَدْرُ أوْ ظَهَرَتِ الشَّمْسُ…
عَمِّي صالِـح يَسْمَـعُ الأغَـاِني الجَمِيلَـةَ مِنْ صَـوْتِ العَصَافِيِـر نَهَـارًا، وَنَقِيـقِ الضَّفَادِعِ لَيْلاً…وَيُتَابِعُ أخْبَـارَ الدُّنْيَـا عَبْرَ أمْوَاجِ الطَّبيِعَةِ وَ عَلَى شَاشَةِ الأرْض ،فيرَى مُعْجِزَاتِ الكَـوْنِ وهُوَ يَتَأمـلُ مَـمْلَـكَةَ النَّـحْلِ،
وَمَسِيرَاتِ جُيُـوشِ النَّمْلِ، فَهَـلْ يَحْتَـاجُ عَمِّي صَالِح إلى مِذْيَـاعٍ أو تِلْفَازٍ؟!
عَمِي صَالح فَـلاَحٌ نَشِيْـطٌ، رِيَّاضِـيٌ يَجْـرِي في سُرْعَـةِ البَرْقِ فيَسْتَنْشِقُ الهَواءَ النَقي، لَهُ صَوْتٌ كَالرَّعْدِ وَقُـوَّةٌ كَالأسَدِ.
لـَمْ يَزُرْ طُولَ حَيَاتِهِ طَبِيبًا لأنَّهُ سَلِيمُ الجِسْمِ وَالعَقْلِ… وَإذَا أَصَابَهُ دَاءٌ يُعَالِجُ بِرَحِيقِ الزَّهْرِ وَبُذُورِ الأعْشَابِ وَعَسَلِ النَّحْلِ.
حَقًّا إنَّهُ طَبِيْبُ نَفْسِهِ كَمَا قَالَ…!!
كُلَّ مَسَاءٍ تُهْدِيهِ دَجَاجَتُهُ الحَمْـرَاءُ بَيْضًاشَهِيـًّا، يَجِـدُهُ في مَحْضَـنِ التِّبْنِ،
وَحَدِيقَتُهُ الخَضْرَاءُ تُطْعِمُهُ خُضَـرًا وَفَوَاكِهَ،وَزَوْجَتُـهُ الزَهْرَاءُ تُهْدِيِهِ خُبْزًا يَدَوِيًا لَذِيذًا.
سَأَلتُهُ مَرَّةً:
– عَمِّي صَالِح مَاهُوَ عُنْوَانُ مَنْزِلِكَ؟
نَظَرَ نَحْوِي مُبْتَسِمًا، ثُمَّ قَالَ:
-أسْكُنُ حَدِيقَةَ الحُبِّ، فِي شَارِعِ الـحُرِّيَةِ، حَي السَّـعَادَةِ، بَلَـدِيَة العَـصَافِيرِ، وِلايَةَ الاجْتِهَادِ،جُمْهُورِيَّ ة السَّلاَمِ.
وَسَأَلتُهُ عَنْ رَقْمِ مَنْزِلِهِ فَأَجَابَنِي:
إِنَّ رَقْمَ بَيْتِي يَتَغَيَّرُ كُلَّ مَسَاءٍ حَسْبَ عَدَدِ حَبَّاتِ العَرَقِ التِي تَتَصَبَّبُ مِنْ جَبِيِنِي أَثْنَاءَ عَمَلِي خِلاَلَ كَامِلِ النَّهَارِ .
ضَحِكْـتُ لِكَلاَمِ عَمِّي صَالِـح فَضَمَّنِي إلى صَـدْرِهِ وَقَبَّـلَنِي ،ثُمَّ قَـدَّمَ لِي
بَاقَةَ أَزْهَارٍ وَسـلَّةَ فَـوَاكِه مِنْ ثِمَارِ حَدِيقَتِهِ.
إِنَّهُ عَمِّي صَالِح …. وَإِنَنِي أُفَكِرُ فِي العَيْشِ
مِثْلهُ….. وَسَأَفْعَلُ.