تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الحجر الفلسطينى

الحجر الفلسطينى 2024.

  • بواسطة
الحجر الفلسطيني


الحجر الفلسطيني

هم الذين كتبوا ..
وهم الذين ألفوا ..
وهم الذين نزفوا ..
وهم الذين أمروني ، فأطعت ..
وحرضوني فصرخت ..
في كثير من الأحيان ، يتوهم الشاعر أنه سيد النص الذي
يكتبه ، في حين أن دوره الحقيقي في عملية الكتابة ، لا يتعدى
دور الممثل الذي يعيد كلمات الملقن ، ودور الأجير الذي يطيع
أوامر سيده …
و لا بد لنا من الاعتراف ، أن أسيادنا ، وأسياد الأدب العربي
في هذه المرحلة ، هم أطفال الحجارة .
فهم الذين بعثروا أوراقنا .. ودلقوا الحبر على ثيابنا ..
وانتهكوا عذرية نصوصنا القديمة .. وطردونا من وراء مكاتبنا
المكيفة الهواء
ثم لا بد لنا من الاعتراف ـ وإن كان الاعتراف موجعا ـ أن أطفال
الحجارة ( بهدلونا ) .. نحن الكتاب العرب الذين كنا
نتصور أنفسنا آلهة تمشي على ورق … وملوكا لا تغيب
الشمس عن قصائدهم ..
نحن لسنا في الحقيقة أكثر من ملوك من ورق … كلماتهم
من ورق .. و أحلامهم من ورق .. وقصائدهم من ورق ..
أما الملوك الحقيقيون ، فهم هؤلاء الذين كتبوا بمشتقات
الدم .. وحبر الحرية .. وجعلوا لغة الحجر لغة دولية تتكلمها
كل شعوب العالم .
من هم أطفال الحجارة ؟
ماذا فعلوا بلغتنا ، بكلامنا ، بتعابيرنا ، بمفرداتنا ، بشعرنا
بنثرنا ، بذاكرتنا البلاغية ، بخطابنا الشعري اليومي و المألوف ؟
أهم ما في أطفال الحجارة أنهم قاموا بانقلاب في ذاكرتنا
الشعرية و اللغوية و القومية و الثقافية ، و أحدثوا ( خضة ) في دورتنا
الدموية .
قبلهم كنا في حالة غيبوبة ، فرشونا بخراطيم المياه ،
و أخرجونا من غرفة العناية الفائقة .
قبلهم ، كان الشارع العربي باردا كالأسماك المجلدة
فأعادوا إلى أطرافنا الدفء و الحرارة .
قبلهم كنا يتامى .. و جاءوا هم ، فأعطونا هوية الانتماء ،
و أعادوا إلينا أسماءنا العربية
و أهم ما في أطفال الحجارة :
أنهم حملوا إلينا المطر .. بعد عصور من العطش
وحملوا إلينا الشمس .. بعد عصور من الظلام .
وحملوا إلينا الأمل .. بعد عصور من الإحباط و الانكسار
أهم ما فيهم إنه خرجوا على ( سلطتنا الأبوية ) ..
وفروا من ( بيت الطاعة ) .. وخالفوا أوامرنا ووصايانا ،
وقرروا أن يحكوا جلدهم بأظافرهم ..
أهم ما فيهم ، أنهم لا يشبهوننا ولا نشبههم ..
ـ وهذا من حسن حظهم ـ وقرروا أن يقاتلوا على طريقتهم ،
ويعيشوا على طريقتهم … ويموتوا على طريقتهم
أهم ما في أطفال الحجارة :
أنهم قلبوا الشاحنة التي كانت تسير بسرعة عشرة أمتار كل
أربعين سنة .. و التي كانت تسير على حطب الصبر ، واستبدلوها
بطائرة كونكورد تطير على نار الغضب

******

لقد ألغى أطفال الحجارة ، إجازات كل الشعراء العرب
و أجبروهم على أن يلبسوا الملابس المرقطة .. ويلتحقوا بالجبهة
أنا شخصيا قطعت إجازتي في سويسرا ، والتحقت بصفوفهم
لم يكن عندي خيار آخر
كان علي أن أكون معهم
أو أن أكون ضد الشعر .

******

إن الحجر الفلسطيني نسف إمارة الشعر من جذورها ، وصار
هو أمير الشعراء بلا منازع .
فالحجر الفلسطيني لم يكسر زجاج البيت الإسرائيلي فقط
وإنما كسر أيضا زجاج القصيدة العربية ، ووضعها أمام الأمر
الواقع ، وغير هويتها ، وخصائصها ، وملامحها الخارجية
و الداخلية

******

إنني أعتقد أن أطفال الحجارة ، نقلوا الشعر العربي من حال
إلى حال ، ومن مرحلة على مرحلة .
كما أعتقد أنهم أدخلوا الشعر العربي إلى حداثة من نوع
جديد ، هي حداثة المعاناة الواقعية التورية ، لا حداثة
الغموض ، و التغريب ، و الدهاليز الباطنية
وهكذا أسقط أطفال الحجارة ـ من جملة ما
أسقطوا ـ الخطاب الشعري القديم ، إلى جانب الخطاب السياسي
القديم ، وفتحوا أمامنا أبواب الثورة .. و الحرية .. و الحداثة
على مصراعيها .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.