البكاء معآ
لاأتذكر بالتحديد أول مرة بكينا فيها معا…
ومر وقت طويل منذ ذلك الحين..
لم نكن معاً بالقدر الذي نحب
ولكن ها هي هناك قادمه الى صالة المغادره .. ا
ساره أعز صديقاتي.. فلقد أصبحنا صديقتين مذ كنا صغيرتين،
قضينا معظم الوقت معاً.. نتقاسم الأسرار، اللعب، بل والضحكات..
حتى أن والدي أسمانا ابنتيه الثرثارتين.
واليوم في هذا المكان وكلانا أقرب ما يكون إلى الدموع..
هلت على ذاكرتي أوقات بكائنا معاً..
لكن ساره احتفظت بوجهها أجمل مما فعلت بوجهي..
ها هي مشرقة بشعرها الأسود ..
الذي لا يبدي أي مظهر للجفاف الصحراء ..
ها هي ترمقنى الآن..
أعرف أن لديها ذات المشاعر التي لدي،
أومأت إليها في محاولة مني لتجاهل هذه المشاعرالشائكة …
أشاح كلانا بوجهه إلى حيث المدخل لمدرج الطائرات ..
لا أتذكر بالتحديد أول مرة بكينا فيها معاً..
على الرغم من أن والديّ ذكّراني مراراً بذلك
حين أتت ساره ووالدتها للإقامةإلى جوارنا
كان ذلك قبيل عيد ميلادي الخامس،
ولأننا فتاتان وفى نفس العمر كان هراءً أن نلعب سوياً بلطف،
ومع ذلك حين أتت إلى منزلنا لأول مرة حملقت فيها
ثم انتزعت منها أفضل دمية كانت لدي
وضممتها بإحكام إلى صدري..
أما ساره – كما تروى جدتي – فلقد هزت كتفيها الصغيرين وذهبت
رأساً إلى صندوق لعبي ..
وأخرجت منه محركاً خشبياً لم ألعب به من قبل قط
ولم يلفت حتى إنتباهي –
كما تروى جدتي وهي تهز كتفيها تعجباً-..
لكنك رميت بدميتك وصرخت بأعلى صوتك
وانتزعته من بين يدي الطفلة المسكينة..
التي جرت إلى أمها وتنهدت بحسرة أما أنا فلا أتذكر هذه الحادثة إطلاقا..
من هذه البداية القاسية بدأت صداقتنا..
لعبنا معاً وذهبنا إلى المدرسة معاً..
أول ما أتذكره ذكريات البكاء معها عندما مات (بيرو)
فلقد أشركتني ساره حبها لفأري المدلل
بعد أن شاركتني حنان والدي إذ كانت محرومة من أن يكون لها أب،
لقد أحبت ساره والدي كثيراً ..
حتى أنها في إحدى صورها معه كانت تتعلق بقدمه
بينما كان يهم بشوي قطع الدجاج على الفحم ..
ولقد أحبها أبي كما لو كانت ابنته..
ولقد أحب كلانا (بيرو) لذا اعددنا من أجله كل شيء.
بينما كان أخي الأوسط الذي كان يجالسنا يقول .
أن الفئران كثيرة النسل فهي لا تمضي يوماً ..
دون أن تلد فيه فامتلأنا فرحة أنا ساره،
حتى أننا إذا غبنا ولو ساعة عن (بيرو) كنا نلتهم الطريق إليه
نجده في قفصه لعلنا نجد له صغاراً قد ولدوا.
وكم كنا نبتني الآمال في طريق عودتنا من المدرسة
نمني أنفسنا بصغار (بيرو) ..
التي سنلهو معها ونتناقش كيف سنتولى أمرها إذا ما فاقعددها توقعاتنا
لكننا ما إن نحدق في قفص (بيرو) حتى تخيب كل هذه الآمال ..!
فثمة أحد لم يخبرنا أن الأمر يستلزم أن تكون لـ (بيرو) فأرة أنثى كي يحدث هذا..
فلقد كان ذكراً…!
وذات يوم ونحن نحدق في قفصه وجدناه راقداً بلا حراك
هادئاً كما لم نعتده..
لم نصدق ساعتها والدة ساره حيث أخبرتنا أنه.. قد مات!
حتى أن والدي ووالدتي أكدا ذلك،
لكننا في أخر الأمر صدقنا أخي حين أخبرنا– رغم أنه نبوءته بشأن صغار (بيرو)
لم تتحقق،
بكينا أنا وساره حين أخرجت والدتها (بيرو)
من قفصه وبكينا حين ضمته في لفائف القطن
ووسدته في أرض الحديقة على حافة حمام السباحة,
بكينا وبكينا كلما مررنا حيث كان قفصه،
الآن بعد هذه السنين كأن في حلقي غصة كلما فكرت في (بيرو).
ولقد عرفنا نوعاً آخر من البكاء – كما تروي والدة ساره –
حين كانت تحكي لنا قصة (بائعة الكبريت)
أتذكر حتى مذاق دموعي واحتضاننا البعض أنا وساره وبكائنا معاً
حين نتخيل تلك الفتاة الصغيرة التي تجمدت من البرودة
بعد أن أشعلت آخر عود ثقاب لديها ثم فارقت الحياة!
كلانا أحب تلك الفتاة وقصتها رغم أنها تبكينا إلا أنها كانت قصتنا المفضلة..
نظرت إلى ساره
ورأيت دموعها وتساءلت أترى لديها منديل الآن؟
فعندما كنا صغاراً كان من المعتاد لديها أن تفقد مناديلها
وكانت أمي ترسلني إلى المدرسة ومعي منديلان
واحد استعمله والآخر للطوارئ غير أن الطوارئ دائما كانت ساره…!
حتى في مراهقتنا بكينا..،
بكينا عندما وعدنا أخي بمقابلة هاري بوتر حتى أخلف وعده!
أرى الآن ساره تتحسس في حقيبتها..
ودموعها تتهادى إلى وجنيتها فرحت أبحث في حقيبتي..
ومضيت إليها وأعطيتها منديلاً..
فمسحت دموعها وشكرتني..
أما أنا فعندما أهدأ سوف أهمس لها..
أن تبكي لأنها سعيده لي
نعم فـ سأقف حيث يقف الناجحون
أخبرتها أن الناس تبكي في لحظات الفرح
وأشرت إليها أن تفكر إلى مستقبلي وطموحي
لا إلى غربتي وغيابي وفراقنا الذي سيدوم طويلا
وقفنا أنا وساره فتاتين
كانتا في يوم من الأيام طفلتين مشاغبتين
والآن أصبحتا نوادع بعضنا في صالات المطار .
فرغنا لتناول الحلوى والحديث عن موعد الإقلاع
وتحررت ابنت أخي من ركبتيّ أمها وتعلقت بأرجل والدي ..
تأبى عليه أن يذهب بي الى الطائره
وهنا رمقتني ساره بنظرتها وانفجرنا في الضحك.
مما لفت انتباه المسافرين في صالة المغادرين
وفرغنا من تناول الحلوى ثم تعلق كلانا بالآخر في محاولة لكتم ضحكاتنا
ثم بكينا بصوت مسموع،
توقف المغادرون حتى الصغيرة القصيرة التي تتعلق بساق جدها
أبدت دهشتها،
أشارت ساره إلى الصغيرة ضاحكة..
لكننا بدأنا في البكاء وفتحت كلانا حقيبتها بحثاً عن مناديلنا…