إن مواسم الطاعات عند المسلمين تتوالى على مدار العام رحمةً من الله لعباده وتحبباً إليهم، ومواسم أهل المعصية والفسق والظلال تتوالى عليهم من الله إمهالاً وإيغالاً بهم في وحل المعصية والذنب، وكلٌ حريص على استغلال موسمه خير استغلال… فإما شاهد لكم أو عليكم.
قال ابن الجوزي رحمه الله: "شهر رمضان ليس مثله في سائر الشهور، ولا فضلت به أمة غيرهذه الأمة في سائر الدهور، الذنب فيه مغفور والسعي فيه مشكور، والمؤمن فيه محبور والشيطان مبعد مثبور، والوزر والإثم فيه مهجور وقلب المؤمن بذكر الله معمور، وقد أناخ بفنائكم هو عن قليل راحل عنكم، شاهد لكم أو عليكم، مؤذنٍ بشقاوة، أو سعادة، أو نقصان، أو زيادة، وهو ضعيف مسؤول من عند رب لا يحول ولا يزول، يخبر عن المحروم منكم والمقبول، فالله الله أكرموا نهاره بتحقيق الصيام، واقطعوا ليله بطول البكاء والقيام، فلعلكم أن تفوزوا بدار الخلد والسلام مع النظر إلى وجه ذي الجلال والإكرام ومرافقة النبي عليه الصلاة والسلام".
فينبغي للمسلم أن لا يفرط في مواسم الطاعات، وأن يكون من السابقين إليها ومن المتنافسين فيها… قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26]، فاحرص أخي الكريم.. أختي الكريمة، على استقبال رمضان بالتنافس فيه من خلال الأعمال والأمور التالية:
– بعقد العزم الصادق بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى، والهمة العالية على تعمير رمضان بالأعمال الصالحة، فمن صَدَق الله صدقه وأعانة على الطاعة ويسر له سبل الخير.. قال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82].
– باستحضار أنّ رمضان ما هو إلّا أيّام معدودات سرعان ما ينقضي، ولعله يكون آخر رمضان تدركه، فاستزد فيه من الخير.. قال عليه الصلاة والسلام: «واجعل الحياة زيادة لي في كل خير» [رواه مسلم].
– باغتنام هذه الفرصة لتزكية نفسك وتطهيرها وتعويدها على الطاعة، وتذكر قوله تعالى: {اِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِاَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
– باستشعار رقابة الله جل وعلا والتفكير في معاني أسمائه الحسنى (البصير – الشهيد – المحيط – الرقيب – السميع). في صيامك وقيامك وحفظ لسانك وسمعك وبصرك وجميع جوارحك لما يحب الله ويرضى، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ اِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].
– بإكثارك من ذكر الله تعالى.. قال : «لا يزال لسانك رطباً بذكر الله» [رواه أحمد]. وتلاوة كتابه الكريم بتدبر وخشوع وأنه سيكون لك شفيعاً يوم القيامة، قال : «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه» [رواه مسلم]. قال ابن عباس: "لأن أقرأ سورة وأرتلها وأتدبرها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله". وكان الإمام مالك إذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
– بتحري الدعاء في الأوقات الفاضلة، وبين الأذان والإقامة.. قال : «لا يرد الدعاء بين الإذان والإقامة» [رواه الترمذي].
والثلث الأخير من الليل.. قال عليه الصلاة والسلام: «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: "من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له"» [رواه البخاري ومسلم].
– بنفقتك على أهلك صدقات تدخر لك.. قال عليه الصلاة والسلام: «الثلث والثلث كثير إن صدقتك من مالك صدقة، وإن نفقتك على عيالك صدقة، وإن ما تأكل امرأتك من مالك صدقة، وإنك أن تدع أهلك بخير خير من أن تدعهم يتكففون الناس» [رواه مسلم].
– باجتهادك في العشر الأواخر من رمضان ففيها الخير العظيم (ليلة القدر) بقيامها إيماناً واحتساباً كلها، فتحفظ بذلك وقتك وأيام عمرك، وتنطلق نحو التغيير والإصلاح، والمسابقة والمسارعة لكل ما يحبه الله ويرضاه.. قال : «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك» [صححه الألباني].