تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » و من الحب ما قتل .

و من الحب ما قتل . 2024.

يقال أن من الحب ما قتل!!! ولكن كيف ذلك؟ إذ لم يشرح أحد حقيقة هذه التجربة وانعكاساتها على عالمنا المادي والروحي هذا سوى بعض الحكماء والمستنيرين الذين صاروا قلاقل، عفواً "قلائل" في هذه الحقبة من الزمن.

هناك أشكال وألوان من المحبة يصعب على المرء وصفها جميعاً في زمن انقلب فيه السحر على الساحر وغدا الحب أكثر غرائزيةً وماديةً من أي وقت مضى… فهناك مثلاً مَن يعبّر عن حبه وعشقه للآخرين بالطريقة ذاتها التي يعبر فيها عن حبه وعشقه للتبولة أو للشوكولا!!!

لهذا نرى أن هناك اختلالاً واضحاً وصريحاً في ميزان حبنا البشري حيث أن حبنا المادي هذا الذي توقف عنده الكثيرون هو حقيقة لكنه ليس إلا مدخلاً متواضعاً إلى أعماق حبنا الحقيقي وطبيعته الروحية السامية.

إننا في الواقع ضحية خنوعنا واستسلامنا لعقولنا واستكبارها الفيزيائي اللاواعي الذي يسيطر طوعاً على طبيعة قلوبنا وحقيقتها الكونية… فإنْ لم نمسك زمام مسؤولياتنا بأيدينا ونحرر أنفسنا من سيطرة هذا النوع من التفاعلات الكيميائية وردّات فعلها النفسية والعاطفية، لن نستطيع الخروج من هذا الكبت الجسدي والنفسي أو تحويله ولو تدريجياً إلى واحة سلام وحكمة ونور تنمو من خلاله بنات أفكارنا بكل فرح ومحبة وإبداع.

هناك كثير من الناس لم يدركوا حتى الآن أن فاقد الشيء لا يعطيه، وأننا لن نقوى على محبة أحد ما لم تفيض أنفسنا بها أولاً، وبسلامها الذي نريده أو نضمره للآخرين… فالإناء ينضح بما فيه. إنها الخطوة الأولى والأساسية لتهيئة أرضية صالحة وصحية قابلة للنمو والانفتاح والعطاء…

لهذا، نرى أن أكثر أنواع الحب شيوعاً في عالمنا هذا وأكثرها خيبةً وتحطيماً للقلوب والآمال هو "الحب البيولوجي…" هذا الحب الذي تتصف به وتنعم جميع مخلوقات الأرض بلا استثناء. إنه حب عادي وطبيعي، لكنه ليس سوى إحدى المحطات العابرة من رحلتنا الروحية إلى الأبدية… فالكثيرون يعتقدون أن حبهم البيولوجي هذا هو من النوع الفريد والمميز، بينما لو اعتقدوا أن حبهم ليس إلا حالة حب طبيعية وعادية فسيصبح تلقائياً الشخص هو أو هي المميز الفعلي في هذه التجربة الجميلة التي نتوق جميعاً إليها.

ولكن للحب البيولوجي هذا الكثير من الغرائز التي يجب أن نعيها وندركها فور مشاهدتها وإلا تحولت إلى سلبيات في حياتنا وحياة الآخرين: كغريزة الشهوات والرغبات، الغيرة، الأنانية، الطمع، التسلط وحب الاقتناء. حتى أن كثيراً ما نرى هذا الحب مسيطر على طبيعة علاقتنا العائلية والاجتماعية أيضاً بشكل متزايد وقبيح، فيتراجع نمونا وتطورنا في شقه المادي والغرائزي بدلاً من أن ينمو ويسمو بشقه الروحي الواعي واللامحدود ليتخطى كل مكان وزمان من هذا الكون الفسيح!

إن النفس البشرية هي آخر مكان يفكر فيه الإنسان البحث عن بصمات حبه الحقيقي، لأن مجتمعنا ببساطة "يؤمن" بأن "العلم في الصغر كالنقش على الحجر!!!" فثقافة "النقش الفكري" الذي يمارس علينا وعلى أطفالنا بشكل دوري ومبرمج وكل ما ينتج عنه من معتقدات وتقاليد وعادات قديمة ومعلبة، هي طريقة متفق عليها ومتوارثة بالرغم من كونها مؤامرة واضحة وصريحة على الفرد وطبيعته الإنسانية البريئة.

إنها طريقة فعلاً ناجحة لكنها قاتلة "فمن الحب ما قتل" لأنه يتم من خلالها خلط السم بالدسم وعلى أيدي أقرب وأحب الناس إلينا أو تحت أشرافهم الشخصي الغافل، وكأن هناك إمكانية لبناء مجتمعات واعية وغير موبوئة دون إمكانية جدية وحقيقية لبناء أفراد واعين، محبين ومتيقظين!

المحبة هي من صفات القلوب وليست العقول… لهذا يجب علينا أن نتفهم ضرورة "تحويل طاقتنا" من طبيعة أكثرها فكراً ومنطقاًً إلى طبيعة أسماها حباً ووعياً عندما يتعلق الآمر بالمحبة الصادقة والحقيقية لأنفسنا وللآخرين. وإلا سيبقى حبنا عالقاً في مرحلته البيولوجية – الفيزيائية إلى ما لا نهاية…

نعم, إن التأمل هو الباب لكن المحبة هي المفتاح الذي يفتح طريق الحقيقة لنا قبل أن نُقتل، نقتل أو ننتحر… "فالإنسان عدو ما يجهل!!!" أما إذا أدركنا أن "المحبة هي الله" وليس العكس، عندها نستطيع القول "إننا من الأكوان والى الأكوان نعود.. عوضاً عن البكاء ومواساة الذات على أطلال وجودٍ لطالما اعتبرناه غريب أو مستغرب…"

دعونا لا نقع بالحب مجدداً، بل لننصهر به ونذوب فنصير نحن الحب بعينه. إذ ليس هناك من حب حقيقي في هذا الوجود بلا وعي وسلام، خلق وإبداع، ألوهية ورحمة…

منقول

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.