إنّ وعي الأطفال باللغة المكتوبة يظهر في وقت مبكر جداً من حياتهم إذا ما عاشوا في بيئات غنية ثقافياً، يحرص فيها أفرادها على تعريض الأطفال للمواد المكتوبة أو المطبوعة وتقديمها لهم في سياق وظيفي. وعينا التخلي عن فكرة أن الأطفال الصغار يأتون إلى الروضة أو المدرسة بمعرفة محدودة وقدرة معدومة على القراءة ، وأن معرفتهم بعالم اللغة المكتوبة تبدأ فقط في الروضة. فعلى العكس من ذلك، كثير من الأطفال يأتون إلى الروضة بمعرفة لا بأس بها عن اللغة المكتوبة تتفاوت من معرفة الحروف، وأسمائهم، إلى معرفة وكتابة بعض الكلمات الشائعة الاستخدام، وإن هذا يعزى إلى ما يتعرض له الأطفال في بيئاتهم المنزلية من خبرات المواد المطبوعة مما يزيد من وعيهم ويوسع مداركهم في مصطلحات المواد المطبوعة، ومن ثم الوعي باللغة المكتوبة.
وقد أشارت الأبحاث التي أجريت على البيئة المنزلية للأطفال الذين أظهروا سلوكات القراءة المبكرة إلى أن المواد المكتوبة الموجودة في تلك البيئات ساعدت على تطور التعلم المبكر للقراءة، حيث كانت تلك البيئات المنزلية مليئة بتلك المواد ( ملصقات، كتب وقصص، تقويم شهري، رسائل وفواتير تصل إلى البيت بالبريد، صحف ومجلات، مواد الراشدين القرائية). وعليه، فإن البيئة المنزلية التي تثير فضول الأطفال حول اللغة المكتوبة تزوَد عادة بنماذج للمطبوعات المألوفة لديهم، كما أنها تشجعهم على البدء بتشكيل واختبار فرضياتهم الخاصة حول ماهية هذه المواد، ووظائفها، وكيفية استخدامها.
وعليه، فينبغي أن نجعل عالم الطفل مليئاً بالمواد المكتوبة، كما ينبغي على الوالدين وأفراد الأسرة تعريض الطفل لتلك المواد وتوظيفها من خلال الإشارة أمامه إليها في سني حياته المبكرة جداً. كما ينصح الوالدان بقراءة تلك المواد لأطفالهم، وتشجيعهم على قراءتها. فمثلاً يحبذ شراء ملابس للطفل التي تظهر فيها اللغة المكتوبة، وتعليق الحروف الهجائية أو صور متبوعة بكلمات مكتوبة في غرفته، واستغلال كل فرصة للفت انتباه الطفل إلى المواد المطبوعة في منزله، كالرسائل و الصحف والمجلات و دليل الهاتف، أو تلك المواد المطبوعة في بيئته الخارجية كآرمات المحال التجارية، وشعارات مطاعم الوجبات السريعة وأسماء الشوارع . كما يمكن قراءة قصة مطبوعة للطفل، والإشارة -أثناء القراءة- إلى كل كلمة مكتوبة بتحريك الإصبع من اليمين إلى اليسار.
إنّ تعريض الطفل للمواد المطبوعة سيزيد من وعيه باللغة المكتوبة كما أكدت كثير من الأبحاث التربوية والنفسية، حيث سيدرك الطفل بعض المظاهر المميزة للغة المكتوبة. فمثلاً يمكن أن يدرك الطفل في سنى حياته الأولى أن الخربشات السوداء التي تقرأ له إنما هي كلمات منطوقة، وأن الكلام المكتوب يُقرأ في سطور من اليمين إلى اليسار، وتقرأ السطور من أعلى إلى أسفل. كما أنه سيدرك أن اللغة المكتوبة لا تظهر فقط على الأوراق، بل يمكن أن تظهر على أسطح مختلفة كالملابس والأكواب والمعادن والزجاج، وأن هناك فراغاً يفصل بين كلمة وكلمة. كذلك سيتولد وعي لدى الطفل بأن مصدر القصة التي تقرأ له ليس في الصور، وإنما المصدر هو العلامات المكتوبة التي ينظر إليها القارئ من وقت لآخر. ولكي تظهر وتتطور سلوكات القراءة المبكرة هذه، ينبغي خلق بيئة غنية بالمطبوعات، وإغراق الأطفال فيها بطريقة طبيعية وظيفية ذات معنى.
ويسلموووووو عالطلة الحلوة