بقلم /محمد الغباشي
نظرت في المرآة التي كانت في نهاية الطرقة في طريقنا للخروج، فذُهلت عن الحياة لحظةً.. ووجدتني تتسارع بي السنون من مكان لآخر، وتهرول بي الأيام فلا أستطيع بها لحاقًا. تغوص قدماي في بركة عميقة من أوحال الشيخوخة. لم يتعدّ عمري الثلاثين! بيْد أن الأيام تزاحمت في دفتر عمري؛ حتى بلغتُ من الكبر عتيًّا، وتكاثرت الشعرات البيض في رأسي؛ حتى اشتعل بها الرأس شيبًا. عمرها ضعف عمري تقريبًا.. ولكن هكذا أريدها.. شابة في مقتبل الحياة.. ترتجف أصابعي حينما أتخيلها في مثل حالي.. أبغي رؤيتها أنيقة.. صغيرة.. قوية.. فتية.. ولتنتهِ حياتنا معًا.. لا يهم.. المهم أن أضع رأسي في حجرها حين الرحيل.. ونتذكر حينها أيامنا معًا.. حينما كنت صغيرًا وكانت تلاعبني فأضحك حتى أنقلب على ظهري.. لم أتخيل حياتي من دونها.. ترى كيف تكون؟! هل ستطلع الشمس يومها؟! هل ستتلفع الدنيا بالسواد حزنًا على فراقها؟! لا يهم.. المهم هو أن لا أكون حاضرًا لأشهد هذا المشهد الحزين.. أود أن أنتظرها هناك.. أراقبها وهي تسير بين الناس بخُطى الخير كما عودتني.. علمتني أن أتقن الحب.. لا أكتفي بمجرد الإحساس بتلك المشاعر الباردة.. بل أتفنن في التعبير عنها لمن أحب.. كانت تفعل ذلك معي.. كانت تتفنن في إرضائي.. وإذا أعرضتُ عنها يومًا : وجدتُها ـ وهي الأولى ـ تتودد إليّ لتزيل سخيمة الصدور وتعود الحياة إلى طبيعتها من جديد.. ولكن.. رأيتها من أعلى وهي حزينة مغضبة.. كيف ـ والحال كذلك ـ ستستطيع العيش دون أن تراني؟! كم كنت أنانيًّا حينما تقاذفت هذه الأفكار على رأسي!! ليس سهلاً على هكذا قلب أن يعيش دون محبوبه!! وخاصة هي.. أذكر أني نُفِيتُ عنها عشرة أيام دون رغبة مني ولا منها.. وعندما عُدْت لم أعرفها.. بل تنكَّرْتُ لذلك الكائن الذي وجدته أمامي.. رأيت في عينيها كدرًا وعكارة لا أزال أذكرها حتى اللحظة.. أدركت حينها ـ وحينها فقط ـ كيف يمكن للحزن أن يسيطر على إنسان.. ورغم ذلك لم أفكر إلا في نفسي وكيف سأكون من دونها.. ولكن هل توارد على ذهني كيف ستكون هي من دوني؟! كيف سيكون ذلك القلب الحاني بكل ما فيه من حب وشفقة ولهفة واشتياق؟! وكيف ستستيقظ هي يومًا فلا تجدني على سريري؟! أو تحملق إلى هاتفها منتظرةً اتصالاً مني فلا يأتي؟! أو على أقل تقدير تعلم أني أحيا في مكان ما في هذا الكون الفسيح؟! للإمأنــة منقول ..
|
||
طَرَحَت فأبُدّعت
دَمت وَدَّأَمَْ عطاؤك
وَدَّائِما باِنْتِظار جَدِيَدَكَّ الشَيِّق
لك مَنَّى خالََِص أَلاَِّحْتِرَأَمْ والٍٍتَقْدِير