لما كانت زوجتي تدرك إمكاناتي، وربما تملكها شيء من الإشفاق عليَّ، فقد تركت لي بقايا أشياء بسيطة مما تعمله، على أن يكون ذلك مجرد "عينة" بسيطة لما تقوم به كل يوم.
كثيرا ما قالت لي زوجتي: "لقد مللت".. وما فتئت تردد أنشودتها الخالدة "لقد زهقت من أعمال المنزل"، بل ولم تتورع عن أن تعلنها صريحة: "أحلم بمكان أمكث فيه أياما بعيدة عنك وعن أبنائك (3 أطفال هم: نور الدين 10 سنوات، وسندس 8 سنوات، وميسون عامان)، وتفسر زوجتي رغبتها تلك بالقول: "أريد مكانا لا أستيقظ فيه على استعجالك الفطور ولا أقضيه في مطاردة الأبناء، والتأكد من قيامهم بواجباتهم الدراسية، ولا أسابق فيه الزمن؛ لكي يتم إعداد طعام الغداء، قبل أن تعود من عملك، فتجد كل شيء مهيأ لك ولأبنائك"!.
تحلم زوجتي -باختصار- بيوم لا تدخل فيه المطبخ، ولا تتجول فيه بالمنزل لترتيبه وتنظيفه، ولا تتابع فيه تقريب وجهات النظر بين نور وسندس، فضلا عن أن تعيش هكذا دون عمل منزلي.. فيرتب لها الآخرون المنزل، ويعدون لها الطعام، ويغسلون أوانيه، ويهيئون لها الملابس.. كما تفعل هي -كما تقول- لجميع أفراد الأسرة.
وأصدقكم القول إني شخص -إلى حد ما- عصبي بطبعي، ومثالي في الوقت نفسه.. أريد كل شيء في مكانه الصحيح.. لذا بمجرد عودتي من العمل تجدني قد أصرخ -حتى صار ذلك كأنه شيء عادي-: أطفئ النور يا نور (نور الحمام الذي ينساه دائمًا).. رتبي سريرك يا سندس (وقليلا ما تفعل).. وأين الطعام يا ناهد؟ (وهو اسم زوجتي، ولا أدري لماذا تتأخر كثيرًا فيه؟!).. وهلم جرا من الطلبات، وإن شئت فقل "الأوامر" التي ما برحت أصدرها إليهم، وأنا متضايق من هذا النسيان المستمر والإهمال المتعمد، وربما الفوضى المنظمة.. التي أعيش فيها بهذا المنزل!.
بداية بلا نهاية!
نعود إلى ذلك اليوم، كانت البداية مع غسل الأواني.. أي من المطبخ.. لم تكن الأواني قليلة، (حلتان وصينية ومجموعة من الأطباق والأكواب).. بدأت العمل بجد ومهارة.. ولسرعة الإنجاز وضعت ما غسلته فوق بعضه، لكن يدي طاشت فجأة، وقع طبق على الأرض، وخر مكسورًا.. حمدت الله على أن صوته لم يوقظ زوجتي النائمة.. لكن الأمر تكرر -بكل أسف- لاحقًا مع كوب آخر!.
هاأنا قد أوشكت على الانتهاء.. ولكن.. نعم هناك كوب وطبق قد نسيتهما.. إنه أمر يبعث على السأم والضجر (هكذا حادثت نفسي)، ولكني ذكرتها بذلك العهد مع زوجتي.. ليوم واحد فقط!
بعد انتهاء معركة غسل الأوانيشرعت في معركة أخرى جديدة؛ معركة إعداد طعام الفطور.. لكني لاحظت أن هناك مجموعة من الملابس داخل غسالتنا (الفول أوتوماتيك)، أي أنها تحتاج إلى نشرها في المنشر بالبلكونة.. وبرغم أن هذا ليس داخلا في الاتفاق مع زوجتي فإني قررت القيام به باعتبار أنه يدخل في عملها اليومي على الأقل!.
عند دخولي إلى البلكونة فوجئت بملابس منشورة بالفعل في المنشر، وأخرى وضعتها زوجتي إلى جانب، وتنتظر دورها في النشر.. شرعت في إنزال الملابس الجافة من على المنشر.. كانت كثيرة.. والشمس حامية (اليوم أحد أيام شهر أغسطس الذي مات فيه الآلاف في العالم ليس من بينهن ربات بيوت).. ثم بدأت في الاستعانة بالمشابك، وفَرْد كل قطعة من ملابسنا، ونشرها على الحبل، مع الاستعانة بمشباكين لكل قطعة.. انتهت المشابك ولم تنته الملابس! ليست مشكلة، فسأكتفي بما نشرته.. هكذا خاطبت نفسي، وسارعت بالقفز إلى الداخل هربًا من الشمس الحارقة التي كادت تسلخني!.
وعقب ذلك كان الأمر بالنسبة لإعداد طعام الفطور هينا؛ فنحن أربعة.. كل واحد يتم إعداد ساندويتش فينو بالجبن له.. مع قطعة من فطير كانت زوجتي قد أعددته في الليلة السابقة، ثم وضعت اللبن والشاي على النار، لإعداد مشروب الصباح للجميع. تذكرت أن هذا الطعام قليل، وأنه لا يشبع حتى من يمارس الحمية أو "الريجيم".. ولكن ماذا أفعل؛ إذ ليس هناك بيض في الثلاجة (إحضار البيض من مسئوليتي)؟ على العموم: لا بأس بهذا الطعام توفيرًا للوقت والجهد!
عند ذهابي بالطعام إلى أسرتي العزيزة تذكرت أني مُطالب بمجرد انتهاء أفرادها من تناوله بغسل الأكواب، إضافة إلى الطبقين اللذين يحويان الساندويتشات.. أي سأغسل الأواني مرتين في نحو أقل من ساعة.. إذن: ماذا عن أواني طعام الغداء والعشاء؟!
أجبت: والله، زوجتي لها حق في أن تتمل من كثرة الأواني، وأن تتهمني دومًا بأني "غير متعاون"، وأني "لا أساعدها في أعمال المنزل، وأزعم أني متدين، وأتأسى بالرسول صلى الله عليه وسلم"!.
أين أنت يا عمر؟!
في وقت لاحق تساءلت: ماذا عن الغداء؟ هل أطهو لهم الطعام؟.. كيف؟ وهل لدي طول بال؟
قررت أن أصطحب أسرتي إلى تناول الطعام في أحد المطاعم القريبة من مسكننا في حي المعادي.. وسارعت بتقبيل يد زوجتي، ممتنًا لها تحملها هذه الأعباء التي تبدو في عين كل رجل هينة بسيطة.. أو كما كنت أقول لزوجتي دوما: "أنت لا تخترعين الذرة"!.
نعم هُن حقًا لا يخترعن الذرة، لكنهن يغسلن الأواني، ويكوين الملابس، ويعددن الطعام، ويرتبن المنزل، ويربين الأبناء، ويجتهدن في وضع أنفسهن بأبهى صورة يراها الزوج لدى عودته.. وهذا عمل أشق -لا ريب- من "اختراع الذرة"!.
عندها تذكرت تلك المقولة العظيمة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عندما انفعلت عليه زوجته، وصاحت في وجهه، فحلم عليها، وقال بهدوء: "إنها والله طباخة لطعامي وغسالة لملابسي.. إلخ.. فكيف لا أتحمل ذلك منها"؟!.
بعد تجربتي هذه، أدعو كل زوج إلى أن يخوض التجربة بشكل عملي، وأن يحل محل زوجته في يوم إجازته، وأن يحكم بينه وبين نفسه: "هل سيقوم بالأمور أفضل مما تقوم بها زوجته، كما يزعم معظمنا نحن الرجال؟"، أم سيقول: "عندها حق"، ويلتمس لها ألف عذر، عندما تقصر في أمر من الأمور، ويتغاضى عن الهفوات التي يراها منها ومن الأبناء،ولا يكون جنرالا عسكريا لا يفعل سوى التكشير عن أنيابه، وحد لسانه، وإصدار الأوامر العسكرية واجبة التنفيذ على الفور، بدلا من أن يكون جنديا يعالج الخلل في صمت، ويتحمل أن يرى الأمر في غير وضعه المثالي، ويضع يده في يدها للسير بسفينة الحياة اليومية، في هدوء وصبر، وحب."
يسلم يدك ياأميرة بقلب على موضوعك الأكثر من رائع
ولكم لم تقولي لنا هل الزوجة قالت لزوجها بعد تكسير الصحون يفداك ههههههههههه ,