حدث هذا من زمان بعيد، عندما كان يعيش بألفة ووئام على بقعة جميلة من الأرض قرب بحيرة صغيرة، عدد من الحيوانات والطيور: حمار وحمامة وبطة وأوزة وأرنب وغراب.
وفي أحد الأيام خطرت للحمار فكرة، فاقترحها على أصدقائه قائلاً:
إننا مجموعة من الكسالى أيها الأصدقاء! نعيش عالة على هذه الأرض الكريمة نأكل ونشرب ونسرح ونمرح، ولم يخطر لنا أن نعمل عملاً نستفيد به من تربتها الخصبة.
ما رأيكم في أن نزرع قسماً من الأرض قمحاً وشعيراً، نضمن بهما مؤونة الشتاء؟
أعجبت الأصدقاء فكرة الحمار، وجلسوا يفكرون بخطة يبدؤون بها العمل.
قال الغراب: أولاً علينا أن نحلف يميناً على أن نكون أمناء على الزرع ونحافظ عليه، حتى ينضج قمحاً وشعيراً.
أقسم الجميع يمين الأمانة، وبدأ كل واحد منهم ينفذ العمل الذي أُسند إليه.
كان إعداد التربة من نصيب الأرنب، الذي انطلق متحمساً ينكشها ويهيئها لتبذر فيها الحمامة والبطة والأوزة بذور القمح والشعير.
ووقف الغراب على شجرة يراقب الطيور الغريبة ليمنعها من الاقتراب.
أما مهمة الحمار فكانت الإشراف على تنفيذ العمل.
بعد فترة من الزمن، نمت الحبوب سيقاناً يانعة تميس رؤوسها فرحاً بسنابلها الخضراء. وفي غمرة سعادة البطة والأوزة والحمامة والأرنب والغراب بهذا الإنجاز، لم يلحظوا أن الزرع كان يضمر ويقل شيئاً فشيئاً، إلى أن أصبح عليهم يوم لم يجدوا فيه للزرع أثراً. حرك الأرنب أنفه محتجاً، وهدلت الحمامة متألمة ومثلها فعلت البطة والأوزة، ونعب الغراب متأسفاً، بينما نهق الحمار بحدة متهماً الجميع بالخيانة.
نظر كل واحد منهم إلى الآخر متسائلاً حائراً عن غريمهم آكل الزرع الذي انتظروا نضجه سنابل ذهبية شهوراً طويلة. لم يكن أحد منهم يملك الجواب، أو هكذا اعتقدوا.
قالت الحمامة: لقد خطر لي خاطر، هل ترغبون في سماعه؟
قالت البطة والأوزة: نعم، بكل سرور.
وقال الأرنب والغراب: نعم، نرغب بسماعه.
وقال الحمار: لا أريد أن أسمع شيئاً، فليس لديكم غير الحكي. ثم نهق ضجراً متبرماً.
قالت الحمامة: عظيم، الأكثرية موافقة.
على كل واحد منا أن يقف أمام البحيرة الصغيرة، ويحلف أنه لم يأكل الزرع، لنعرف من المذنب ومن البريء.
وقفت الحمامة، وقالت: حم حم إذا أكلته، حم حم إذا لمسته، حم حم يرميني الله، حم حم في بحرة الله. ثم حركت جناحيها وطارت إلى الطرف المقابل.
ووقفت البطة، وقالت: بط بط إذا أكلته، بط بط إذا لمسته، بط بط يرميني الله، بط بط في بحرة الله. وحركت جناحيها وطارت إلى الطرف المقابل.
ووقفت الأوزة، وقالت: وز وز إذا أكلته، وز وز إذا لمسته، وز وز يرميني الله، وز وز في بحرة الله. وبلحظة كانت إلى جانب رفيقتيها في الطرف المقابل.
ووقف الغراب وقال: قاق قاق إذا أكلته، قاق قاق إذا لمسته، قاق قاق يرميني الله، قاق قاق في بحرة الله. ورفرف بجناحيه وطار إلى الطرف المقابل حيث يقف أصدقاؤه الحمامة والبطة والأوزة.
وجاء دور الحمار فراوغ وتململ، وطلب أن يسبقه الأرنب إلى ذلك. لكن الجميع أصروا عليه أن يبدأ قبل الأرنب ويحلف اليمين أمام البحيرة مثلما فعلوا.
فوقف، وقال: حيق حيق إذا أكلته، حيق حيق إذا لمسته، حيق حيق يرميني الله، حيق حيق في بحرة الله. وما أن حاول القفز إلى الطرف المقابل، حتى وقع في البحيرة وغرق في مائها. فعرفوا أنه خائن العهد وآكل القمح والشعير، وقد نال جزاء ما صنع.
منقول