غابت الشمس، فلبست الطبيعة، رداءها الأسود الجميل.
أطل معن برأسه، من نافذة غرفة المزرعة وصاح:
– جدّي… جدّي!!
– نعم يا صغيري، ماذا تريد؟
– لقد حلّ الظلام، وحان موعد ذهابنا إلى النهر، لنسهر على ضوء القمر، ألم تعدني بذلك؟.
– أجل.. ولكن بعد أن تضع إبريق الشاي والكؤوس في كيس.
ثم حمل الجد عكازه، ومضيا صوب النهر.
جلس الجدّ على حافة النهر، وقال:
– ألا ترغب بشرب الشاي، يا صغيري؟
– بلى.. الشاي لذيذ.
جمع الجدّ من حوله أعواداً يابسة، وأشعلها، ثم وضع ثلاثة أحجار، وركز الإبريق فوقها.
كانت النار ترسم على وجهيهما، وهجاً أحمر كذاك الذي ترسمه الشمس على وجه البحر، لحظة غيابها.
غلى الشاي، نصبّ الجد كأسين، إحداهما ملأى والأخرى نصفها.
نظر معن إلى كأسه، وقال ممتعضاً:
– لماذا صببت لي نصف الكأس، لقد صرت كبيراً، أما قتلت اليوم جرادتين؟
ضحك الجدّ وقال:
– الشاي ساخن، وأخشى أن يحرق فمك، هيّا ضع ملعقة سكر في كل كأس.
غرَفَ معن السكّر بالملعقة، وبدأ يحرك، بغتة انتبه إلى أمر.
كان صوت الملعقة في أثناء التحريك، مختلفاً بين الكأسين.
نقر بخفّة على حافّة كوبه، فصدر رنين حاد ثم نقر على حافّة كوب جدّه، فصدر رنين غليظ.
نظر إلى جدّه باستغراب قائلاً:
– هل سمعت يا جدّي، الملعقة تصدر موسيقا؟!.
ابتسم الجدّ، حكّ لحيته بأصابعه الخشنة، وقال:
– الموسيقى موجودة حولنا، وما علينا سوى سماعها؟
تلفت معن في كلّ الإتجاهات، سار نحو النهر غمس قدميه بمياهه، تناثر رذاذ ناعم، وعلا صوت خريره.
ركض صوب شجرة صفصاف، فسمع تسبيح أوراقها، وابتهال أغصانها. تطلّع نحو أعواد القصب، المغروسة كالرماح على ضفاف النهر فعلم أن صوت الصفير المبحوح، يخرج من أفواهها، كلما دخلت الريح إليها.
كانت الأصوات، تتداخل في أذنيه الصغيرتين فطرب لها، وتمايل، ثمّ بدأ يغنّي: "ورقات تطفر بالدرب
والغيمة شقراء الهدب
والريح أناشيد
والنهر تجاعيد
يا غيمة يا….."
توقف أحمد عن الغناء، أدهشه منظر القمر على حافة غيمة رمادية، ماسكاً بإحدى يديه عصا صغيرة، يحرّكها بعفوية، كأنّه قائد فرقة موسيقية بينما راحت الطبيعة، تعزف موسيقاها الأزليّة.
قصة موسيقى الطبيعه
كم كانت كلماتكِ رائعه في معانيها