معركةحتى الموت مع الأعداء الثلاثة . فإما النصر أو 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

معركة حتى الموت مع الأعداء الثلاثة

قال ابن القيم رحمه الله في مقدمة الوابل الصيب:

فإن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الآدمي، واختاره من بين سائر البرية، وجعل قلبه محل كنوزه من الإيمان، والتوحيد، والإخلاص، والمحبة، والحياء، والتعظيم، والمراقبة، وجعل ثوابه إذا قَدِم عليه أكمل الثواب وأفضله، وهو النظر إلى وجهه، والفوز برضوانه، ومجاورته في جنته.

وكان مع ذلك قد إبتلاه بالشهوة والغضب والغفلة، وإبتلاه بعدوه إبليس لا يفتر عنه، فهو يدخل عليه من الأبواب التي هي من نفسه وطبعه، فتميل نفسه معه؛ لأنه يدخل عليها بما تحب، فيتفق هو ونفسه وهواه على العبد: ثلاثةٌ مُسَلَّطون آمرون، فيبعثون الجوارح في قضاء وَطَرِهِم، والجوارح آلة منقادة، فلا يمكنها إلا الانبعاث، فهذا شأن هذه الثلاثة، وشأن الجوارح، فلا تزال الجوارح في طاعتهم كيف أّمَروا، وأين يَمَّموا.

هذا مقتضى حال العبد.

فاقتضت رحمة ربه العزيز الرحيم به أن أعانه بِجُنْدٍ آخر، وأمدّه بِمَدَدٍ آخر، يقاوم به هذا الجند الذي يريد هلاكه، فأرسل إليه رسوله، وأنزل عليه كتابه، وأيده بمَلَكٍ كريم يقابل عدوه الشيطان، فإذا أمره الشيطان بأمرٍ، أمره الملك بأمر ربه، وبيَّن له ما في طاعة العدو من الهلاك. فهذا يُلِمُّ به مرة، وهذا مرة، والمنصورُ من نصره الله عز وجل، والمحفوظُ من حفظه الله تعالى.

وجعل له مقابل نفسه الأمَّارةِ نفساً مطمئنة، إذا أمرته النفسُ الأمَّارة بالسوء نَهَتْهُ عنه النفس المطمئنة، وإذا نهته الأمَّارة عن الخير أمرته به النفس المطمئنة. فهو يطيع هذه مرة، وهذه مرة، وهو للغالب عليه منهما، وربما انقهرت إحداهما بالكلية قهراً لا تقوم معه أبداً.

وجعل له مقابل الهوى الحاملِ له على طاعة الشيطان والنفس الأمَّارةِ نوراً، وبصيرةً، وعقلاً يرده عن الذهاب مع الهوى؛ فكلما أراد أن يذهب مع الهوى ناداه العقل والبصيرة والنور: الحذر الحذر! ؛ فإن المهالك والمتالف بين يديك، وأنت صيد الحرامِيَّة، وقُطَاعِ الطريق؛ إن سرت خلف هذا الدليل.

فهو يطيع الناصح مرة فيبن له رشده ونصحه، ويمشي خلف دليل الهوى مرة فَيُقْطَعُ عليه الطريق، ويُؤخَذُ مالُه، ويُسْلَب ثيابُه، فيقول: ترى من أين أُتِيت ؟!

والعجبُ أنه يعلم من أين أُتِي، ويعرف الطريق التي قُطِعت عليه وأُخِذ فيها، ويأبى إلا سلوكها؛ لأن دليلها قد تمكن منه وتحكَّم فيه، وقوِيَ عليه! ولو أضعفه بالمخالفة له، وزَجْرِه إذا دعاه، ومحاربته إذا أراد أخذه لم يتمكَّنْ منه، ولكنْ هو مكَّنَهُ من نفسه، وهو أعطاه يده، فهو بمنزلة الرجل يضع يده في يد عدوه، فياسره ثم يسومه سوء العذاب، فهو يستغيث فلا يُغاث، فهكذا العبد يستأسر للشيطان والهوى، ولنفسه الأمارة، ثم يطلب الخلاص، فيعجز عنه.

فلما أن بُلي العبدُ بما بُلِي به أُعِين بالعساكر والعُدَدِ والحصون، وقيل له: قاتِل عدوك وجاهِدْهُ، فهذه الجنود خُذْ منها ما شئت، وهذه العُدَدُ البس منها ما شئت، وهذه الحصون تَحَصَّنْ منها بأي حصن شئت، ورابط إلى الموت، فالأمر قريب، ومدة المرابطة يسيرة جداً، فكأنك بالملِك الأعظم وقد أَرْسَلَ إليك رُسُلَه، فنقلوك إلى داره، واسترحت من هذا الجهاد، وفُرِّقَ بينك وبين عدوك، وأُطْلِقْتَ في دار الكرامة تتقلَّب فيها كيف شئت، وسُجِن عدوك في أصعب الحُبوس وأنت تراه، فالسجنُ الذي كان يريد أن يُودِعَك فيه قد أُدْخِلَه وأُغْلِقت عليه أبوابه، وأِيسَ من الخروج والفرج، وأنت فيما اشتهت نفسك، وقَرّت عينك؛ جزاءً على صبرك في تلك المدة اليسيرة، ولزومك الثغر للرِّباط، وما كانت إلا ساعةً ثم انقَضَتْ، وكأن الشدة لم تكن.

الوابل الصيب ص 31
منقول

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد

جزاك الله خيرا

مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

الهجرة المنيرة والنصر بالسكينة 2024.

خليجية خليجية

{إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}
التوبة40
سيدنا موسى عندما خاف قومه بعد خروجهم من مصر من اللحاق بهم فقالوا له: النجدة فقال لهم: لا تخافوا {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} الشعراء62
أنا معي ربي لا تخافوا

ولكن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}

أي معنا جميعاً ولم يقل إن الله معي ، ومعنا هذه هى بشرى لكل مؤمن إلى يوم القيامة ولذلك أيده الله في كتاب الله فقال {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} الحج40

فالذي ينصر الله ينصره الله ، وهل الله يحارب لننصره؟ لا، ولكن يعنى من ينصر شريعته ويقيمها في نفسه وفي بيته وفي عمله وفي أهله وفيمن حوله ، فنصر الله يعني إحياء شريعة الله والعمل بها بين خلق الله

وماذا كانت النتيجة ؟ بماذا أيده الله صلى الله عليه وسلم؟ {فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} التوبة40

أولاً أنزل عليه السكينة ، وكيف نأتي بها؟ لا تأتي إلا بتوفيق الله لمن أحبه الله واجتباه {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} الفتح4

وكما أنزل عليه السكينة أنزل علينا السكينة ، والسكينة يعني الطمأنينة بوعد الله والثقة في قدرة الله ورعاية الله وكلاءة الله وصيانة الله وحفظ الله لمن تمسك بشرع الله ابتغاء وجه الله ، فكما أنزل الله عليه السكينة أيضاً فتح المجال لجميع المؤمنين

وأعلمنا علم اليقين أن السكينة لا تأتي إلا من عنده وهو الذي ينزلها بنفسه حتى أنه لا ينزلها عن طريق ملك ولا عن طريق أي كائن أو مخلوق بل هو ينزلها ولم يقل ينزل (بالمضارع) بل قال أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ، فيحبب إليهم الإيمان ويشرح صدروهم للعمل بأركان الدين والاهتداء بتعاليم القرآن والتأسي بسنة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم

ثم ماذا؟ {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} التوبة40

أيده بالملائكة وأيده بالأرض وقال له: الأرض طوع أمرك مرها بما شئت فيقول لها: خذيه فتمسك بفرس الفارس الذى خرج ليلحق به وتغوص به ، فيقول لها اتركيه فتتخلى عن الفرس فكانت طوع أمره صلى الله عليه وسلم وليس مرة واحدة ولكن ثلاث مرات ، وأيده بالحمام وأيده بكائن بسيط وحشرة صغيرة وهي العنكبوت

وأيده بالأنصار وأيده بالمهاجرين بل وأيده بأناس قبله جهزوا له المكان الذي سيسكنه صلى الله عليه وسلم فالهجرة إلى المدينة كان يعلمها من قبل من لحظة نزول الوحي عليه أخذته زوجته السيدة خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وقال له: ليتني أكون فيها جزعاً {يعني شاباً فتياً} عندما يخرجك قومك ، فقال: أو مخرجي هم؟ قال: نعم ما أُرسل رسول بما أرسلت به إلا أخرجه قومه

حتى المكان الذي هاجر إليه صلى الله عليه وسلم كان يعلمه منْ سبقه من الأنبياء والمرسلين ولذلك يروي القرآن أن اليهود تركوا بلاد الشام وجاءوا إلى المدينة مترقبين ظهور النبي الذي قرُب زمانه وعندهم صفاته وكانوا يرجون أن يكون منهم وقد ذكر الله ذلك {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} البقرة89

فقد كانوا عندما تحدث بينهم حرب وبين أي قبيلة يقولون كما قالت السيرة العطرة: {اللهم بحق النبي الذي ستبعثه في آخر الزمان انصرنا عليهم} فينصرهم الله ، وهذا معنى {يَسْتَفْتِحُونَ} أي يطلبون به النصر فينصرهم الله ، هل كانوا يعرفونه؟ القرآن يقول {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ} البقرة146
وهل هناك أحد لا يعرف أولاده

الذي أريد أن أصل له أننا جميعاً لنا نصيب في هذا الأمر إذا استمسكنا بهدى الله ولم تغرينا مغريات الحياة ، ما الذي جعل الله ينصر رسول الله هذا النصر العظيم؟ أنه تمسك بهدى الله رغم ما عرضوا عليه في هذه الحياة

فقد عرضوا عليه المال وقالوا: إذا كنت تريد مالاً جمعنا لك مالاً حتى تصير أغنانا ، وإن كنت تريد الملك جعلناك ملكاً علينا ، وإن كنت مريضاً طلبنا لك الشفاء والدواء والأطباء ، قال: لا أريد ملكاً ولا مالاً ولا أي شئ في الدنيا {إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ} هود29

أريد أن تهتدوا إلى الله ولا أريد منكم شيئاً ، ولذلك قيل فى الأثر: {كن مع الله يكن الله معك}

خليجية خليجية